حين يبتزّ الإعلام العامّة… إرهاب بو غلاّب

عايدة بن كريّم
بالأمس كنت شادة “الصفّ” بأحد المستشفيات بالعاصمة، الناس الكلّ تتحدّث عن الطبيب إلّي “شدّوه بالكمشة” يأخذ في الرشوة وطبعا واحد يزيد الماء والاخر يزيد الدقيق، ثمّ لمّا التحقت بقريبتي في قاعة الإنتظار وجدت “النسوة” كطنجرة البرغل: نفس الموضوع وبأكثر تفاصيل وكلّ واحدة تحكي مُغامرتها مع أطبّاء العمومي والخاص. وكلّما انضافت حكاية للطنجرة زادت وتيرة الغليان والخوف والشكّ “قلّك يسرقوا في الصغار ويبيعوا فيهم”… “يقولوا للأم ولدك مات وهم باعوه لمرأة أخرى”، “الطبيب يخدم بالشماتة معقّد من طبّة العيادات الخاصة”… “شوف كيفاش دخّل المريضة وسكّر الباب، عدّاها قبل الناس الكلّ على خاطرها تعدّي عندو في الكابيني بالفلوس”… “شوف شوف كيفاش يغزر هذاكة يفرز في المرضى”… بعد مدّة من الإستماع لهذه الأحاديث قلت لقريبتي “بالله يزّي من هذه الحكايات إلّي لا ساس لا رأس وتّرتم رواحكم ودخّلتم في رواحكم غولة”… قالت لي “ظاهرلي ما تفرّجت على البرنامج في التلفزة وعلى الطبيب إلّّي يعمل العملية بالرشوة”…
الحاصل قلت حديثك مع إلّي ما يحبّش يفهم ينقّص من الأعمار أحسن حاجة نمشي نستنى في مكان آخر “الظاهر الناس داخلة في حيط”. والإعلام نجح في صناعة “وعي غوغائي”.
حتى أفهم ما يجري فتحت التلفزة على قناة التونسية نلقى “جوقة” بوغلاّب متاع الفراشة وميّة متاع الكتاب والبلومي متاع “صناعة البهامة” عاملين قعدة ويحكوا على الطبيب متاع “الرشوة”… وجايبين VTR ومحضّرين ناس الله أعلم بحالهم جمعهم “الإنكسار” و”المُعاناة” وقهرتهم دولة “الحداثة” التي تبتزّ مواطنيها ووظّفهم إعلام “بغل” يستثمر في هموم “العامّة”.
أعلم جيّدا أنّ الحادثة حقيقية وأعلم أنّ “الراشي والمرتشي في النار” وأعلم أنّ الفساد انتشر في جسد المُجتمع من عهد الطرابلسية القدم… لكن أعلم كذلك انّ قناة التونسية صاحبها أحد زعماء الفساد ومناضل قديم في الميدان وأنّ أعضاء الجوقة تأخذ شهريتها من الفاسد الكبير وانّ الأوركاستراسون هدفها تحويل وجهة الناس عن الفاسدين الكبار من رجال مال وأعمال… وتعمل على تمهميش الناس عن مُقاومة الفساد المعشّش في مفاصل مؤسّسات الدولة وأعلم أنّ الإعلام في تونس أكثر القطاعات نخره الفساد “مالا وأخلاقا ووطنية”.
مُعالجة ظاهرة الفساد في المؤسّسات العمومية لا تكون بهذا “التجويق” ولا بهذه “التفاصيل” الصغيرة… توجد هيئة دستورية مهمّتها مُقاومة الفساد ويوجد قطب قضائي أمامه ملفّات الحيتان الكبيرة ويوجد جزء من الشعب “مركّز” وموش قابل للتمهميش الذي يُمارسه إعلام مموّل من طرف المال الفاسد.
مؤسّساتنا جلّها نخرها الفساد وأكثر ناس تدفع الفاتورة هم أبناء “الشعب العميق” و”الزواولة” الذين يستعملهم بوغلاّب “طاولة” للتفاوض والإبتزاز.
الطبيب يقبض في المستشفى وبوغلاّب يقبض في القناة.
بعد تشليك المدرسة العمومية والتشكيك في سلوك المُربّين وبعد تخوين المُحامين واتهامهم بالتهرّب الضريبي جاء دور قطاع الصحة العمومية والأطباء ثمّ قريبا يكون دور قطاع النقل العمومي…
من يُنظّم سوق الإعلام في تونس؟ من يحمي المُستهلك من “السلع” الفاسدة؟ هل من قانون يحمي الناس من إرهاب “الإعلام”؟

Exit mobile version