تدوينات تونسية

الإعلام يصنع ما لا يصنعه إبليس

الحبيب حمام

إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل: الإعلام يصنع ما لا يصنعه إبليس وما لا تصنعه القنابل الذرية. لنبدأ بأسئلة:

ـ هل يمكن أن يقتتل صحابة رسول الله؟
ـ هل يمكن أن تقود عائشة، أم المؤمنين، جيشا ويقود علي، كرم الله وجهه، جيشا آخر، ويتقابل الجيشان؟
ـ هل يمكن أن يؤلف الصحابة والتابعون جيشا قوامه 90 ألفا ضد جيش من الصحابة والتابعين قوامه 120 ألفا، وتقوم معركة طاحنة يسقط فيها عشرات الآلاف؟

لنسأل أسئلة أخرى أعمق في التاريخ

ـ هل يمكن أن يعتقد الملايين أن المسيح ابن زنا، بعدما رأى الآلاف معجزة تكلّم المسيح في المهد، وسمعوا منه شهادة براءة أمه؟
ـ هل يمكن أن يُتهم موسى بأشنع التهم، وهو يعيش بين قومه، ويرون أعماله كل يوم؟ {يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّه مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّه وَجِيهًا}.
ـ هل يمكن أن تقع محاكمة يوسف عليه السلام بتهمة التحرش الجنسي، بل ولربما الاغتصاب وتقطيع أيدي النساء؟

إنه الإعلام يا إخواني، يقلب الحقائق، دعوني أسألكم أسئلة أخرى من واقعنا لتعلموا أن الفتنة وقلب الحقائق يمكن أن تجعل الصحابة يقتتلون ويمكن أن تجعل الملايين يقدحون في عرض مريم، ويمكن، ويمكن.

ـ هل يمكن أن يضع معتصمو رابعة ترسانة أسلحة تحت المنصة؟ ولكن هل نجح الإعلام في جعل الملايين يعتقدون ذلك؟
ـ هل يمكن أن يقتل معتصمو رابعة أنفسهم ويحرقوا أنفسهم؟ ولكن هل نجح الإعلام في جعل الملايين يعتقدون ذلك؟
ـ هل يمكن أن يكون مرسي خائنا وباع مصر للأمريكان بعدما رأى المصريون ما حلّ بهم في حكم السيسي؟ ولكن هل نجح الإعلام في جعل الملايين يعتقدون ذلك؟
ـ هل يمكن أن يكون بشار وأبوه، اللذان يحميان حدود إسرائيل منذ سقوط الجولان سنة 1967، مقاوميْن لإسرائيل؟ ولكن هل نجح الإعلام في جعل الملايين يعتقدون ذلك؟
ـ هل يمكن أن يكون بشار الأسد وطنيا محبا لشعبه مدافعا عنه وهو الذي قمع ثورته السلمية وصب عليه وابلا من العذاب؟ ولكن هل نجح الإعلام في جعل الملايين يعتقدون ذلك؟
ـ هل يمكن أن تصبح رابطات حماية الثورة، التي شارك في تأسيسها حمه الهمامي ودافع عنها طويلا، بين عشية وضحاها تنظيما إرهابيا؟ ولكن هل نجح الإعلام في جعل مئات الآلاف يعتقدون ذلك؟
ـ هل يمكن أن تكون المدارس القرآنية مصدرا للإرهاب؟ ولكن هل نجح الإعلام في جعل مئات الآلاف يعتقدون ذلك؟
ـ هل يمكن أن تكون النهضة قتلت شكري بلعيد ومحمد البراهمي، والحال أنها أكبر متضرر من هذه الاغتيالات، وسقطت لها حكومتان بسبب ذلك؟ ولكن هل نجح الإعلام في جعل مئات الآلاف يعتقدون ذلك؟
ـ هل يمكن أن يكون أهل خان شيخون أرسلوا صواريخ محملة بالغازات السامة فانطلقت الصواريخ في الفضاء ثم استدارت بـ 180 درجة وسقطت عليهم لتبيدهم؟ انظروا حولكم موجة تبرئة بشار من هذه الجريمة، والحال أنه صاحب النفوذ، وصاحب القدرة على فعل ذلك، وصاحب المسؤولية عن حماية سكان خان شيخون إلا أن يترك الحكم، وهذا ما لم يفعله.

إنه التضليل الإعلامي، يفعل ما لا يقدر على فعله إبليس، ويدمّر ما لا تقدر على تدميره القنابل الذرية. دعوني أختم بسؤال:

ـ هل رأى إخوة يوسف أخاهم يوسف يسرق؟ هل رأى إخوة يوسف أخاهم الثاني يسرق في مصر عند العزيز؟ فما الذي دفعهم إلى القول: إن يسرق [شقيق يوسف من الأب والأم] فقد سرق أخ [يوسف] له من قبل؟ تهمتان مجانيتان بلا دليل، جابوها من الحيط. هناك إرادة تضليل صارخة. ثم سكوت الأغلبية يجعل التضليل ينتشر. ربما قالها أحد إخوة يوسف فقط، ولكن لم يعارضه أحد، وهي مشاركة في التضليل. ولماذا لم يعارض أحد؟ لأن الكلام وافق هواهم، ذاقوه فكان حلوا، فاستمتعوا بحلاوته، ودفنوا مبادئهم. ما يقع من تضليل هو حسب المعادلة نفسها المتكونة من جزئين:

1. قلة تصنع الخبر الكاذب.
2. فيوافق الخبر هوى كثرة، فيحسّون بحلاوته، فيتلذذونه، فينشرونه.

كانت هذه تذكرة صباحية، دمتم في رعاية الله وأسعد الله يومكم.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock