كـــانت البداية مع (هم)، هم بقايا من مخلّفات الإستخراب الفرنسي، بقايا انبتّت تاريخيّا عن هويّتها ورفضت دينها وتنكّرت لقيم أهلها وقطعت مع كل عاداتهم وتقاليدهم، لترتمي في أحضان فرنسا تشبّهًا واستجداءَ إنتماءٍ ولو بالتجنيس الذي كان لهم -فخرا وعزّا- برغم رفضه وقتها من كلّ مكوّنات الشعب التونسي، بل دفع الرّجال دونه الدّماء والأرواح.
هُم.. ونعني بهم أولئك الذين صفّقوا لفرنسا وعرّبوا لاستعمارها الوحشيّ وفعلوا كلّ الممنوعات والموبقات، كما أتوا كثيرا من أنواع المعاصي والخيانة للعْق حذاء الفرنسيين آنذاك،،، اشتغلوا (قوّادة) وجواسيس على مواطنيهم وجاهروا بالعرْي والتفسّخ ورطنوا (الفِغنسيّة) تشبّها وتكبّرا واستعلاء على أهلهم، وبما أنّه لكلّ ظالم نهاية فإنّ -بابور فرنسا زمّرْ خشّ البحَرْ- مندحرا ومودّعا ليتركهم أيتاما تذرف دموع الخيبة والذلّ.
ليتركهم ويزرعهم أيضا بذورا عقيمة خائبة ومنبوذة إلاّ من توجّه رأس السلطة التغريبي -أصلا- والذي انقلب على كلّ المواثيق وأعراف الشّعب -ليستبدّ- ويحكم تونس حكم الضيعة وليسخّر كلّ طاقاته للخروج بالبلاد والعباد من حاضنتها العربيّة الإسلاميّة، فطمس وشرّد وسجن وأقصى وقتّل وغلّق ظلما واستبدادا…
طبعا لهذا المخطط الجهنّمي وجد في هؤلاء البقايا -خدم فرانسا- فريسة سهلة ليطوّعهم في خدمة ما خطّط له ودبّر، فأنبتهم في كلّ مفاصل الدولة وجعلهم على رأس المصالح العامّة ودسّهم في التعليم والثقافة ومواطن القرار ليكون لهم من بعد سبْق القيادة الرّعناء والحُضوة المغتصبة في بلد أثقل كاهله الإستعمار البغيض وكبّله بالجهل والأميّة والخوف، وكذلك لتكون لهم أولويّة -لهْف- المال العام وتحويل القروض والصفقات باسم بناء مدنيّة الدولة الحديثة…
هؤلاء -البقايا- وكلاء فرنسا الجدد كانوا أشطر التلاميذ وأوفى الأوفياء لفرنسا وللسّلطة القائمة وقتها ثمّ للّتي من بعدها خصوصا في ظلّ تغييب الدّين وغلق جامع الزّيتونة ومحاصرة علماءه وإقصاء كلّ نفَسِ إصلاحي يدين بالعروبة والإسلام ويعمل على إحياء الهويّة.
ثمّ خلف من بعدهم خلْف أضاعوا وضيّعوا ونادوا للشهوات وأحلّوا الموبقات، خلفٌ كان أسوأ من السّلف، خلف بيولوجيّ لتلك البقايا أو بالتبنّي الفكري عمل جاهدا على المضيّ قُدُما في نفس التوجّه التغريبي البائس، يساعده في ذلك المدد الذي يتلقّاه من الجهات المشبوهة، مدد المال والبضاعة الفاسدة المفسدة تحت شعار -دعه يعمل، دعه يفسّد- الذي اعتمدته الدكتاتورية الأولى ومن بعدها العهد البنفسجي لفتح -أجنحة- هؤلاء القائمين على موجات الإفساد والتمييع والترويج للشّذوذات الفكريّة والجسديّة في مختلف القطاعات الحيويّة والتقاطعات الإجتماعيّة بتسخير لامشروط للإعلام العمومي التّعيس والخاصّ المدفوع ولكلّ القيم اللوجستيّة للتظاهرات الشعبيّة والحضور الثقافي والفنّي والتعليمي حتّى أضحى -إستهلاك- هذه النّمطيّة من العيش والفهم والإدراك أسلوب دارج في الحياة العامّة وما يخالفه من قيم أهل البلد منبوذ أو مشوّه مرصود…
إستهلاك خرج من دوائر النّخب العالقة بين النّوادي والمنزوية بين ردهات النّزل والمقاهي والحانات إلى مجريات وفاعليات الحياة الثقافيّة ومفاصل التعليم بكلّ مراحله مسنودا بإعلام لا يدّخر شاغلوه جهودهم وطاقاتهم في الترويج له والبروباجندا بأجندا فرنكوفونيّة وتغريبيّة مشوّهة…