ضباط فرنسا
محمد العربي زيتوت
كلما إطلعت أكثر على تفاصيل تاريخ الجزائر، إبتداء من إندلاع الثورة التحريرية، كلما تكشف لي حجم الدمار الهائل الذي أحدثه بعض “ضباط فرنسا”، وأؤكد على عبارة بعض، ذلك أن من كانوا في الجيش الفرنسي من الجزائريين وإلتحقوا بالثورة لم يكونو سواء.
فكثير منهم كانوا صادقين في إلتحاقهم بالثورة، مخلصين لبلدهم، مدافعين عن شعبهم ومنهم من لقي ربه ويده على الزناد، وما بدلوا تبديلا.
هؤلاء في الغالب كانوا قد إنظموا إضطرارا لجيش فرنسا قبل نوفمبر 54، وبمجرد ما ذاع أمر “الجهاد المسلح” ضد فرنسا، فروا بأسلحتهم مجاهدين، حقا وصدقا.
ولكن كان هناك صنف آخر، والذي سيحدث خرابا هائلا على مدار أكثر من 50 عاما، ولايزال، فهم أولئك الذين إنضموا للثورة بطلب من جنرالات فرنسا في عملية إختراق واسعة، تكثفت مع وصول الماكر ديغول، في ماي 1958 بعد سقوط الجمهورية الرابعة تحت وقع ضربات ثوار الجزائر.
هؤلاء من أمثال إيدير وشابو والتواتي ونزار والعماري والعربي بالخير وبن شريف وقنازية… وغيرهم كثير سيقومون بثورة مضادة تعاظمت مخاطرها مع مرور الزمن.
في البدء لقوا رعاية كبيرة من وزير دفاع الثورة العقيد كريم بالقاسم، الذي أعدم ثوار كبار وعلى رأسهم العقيد “العموري”، الذي لم يكن يستسيغ ضباط فرنسا.
ثم من وزير دفاع الإستقلال العقيد هواري بومدين، الذي لم يتوان عن إعدام العقيد محمد شعباني، بتهمة مزعومة هي محاولة فصل الصحراء، وهو الذي مانفك يحذر من “المخاطر المحدقة بالجزائر وقد تولى هؤلاء الفارين مناصب مهمة في دولة الإستقلال”.
ومن بعد بومدين، سيلقى ضباط فرنسا رعاية خاصة من الرئيس ووزير الدفاع بدءا من 79 الشادلي بن جديد، الذي وصل به الأمر أن سلم أكثر شؤون الحكم للجنرال العربي بالخير.
الكاردينال العربي بلخير كما كان يسمى، وقد سيطر، في الخفاء، على مقاليد السلطة، سيقوم بعملية تصفية واسعة لكبار ضباط الثورة وعلى رأسهم الجنرال مصطفى بالوصيف، أحد أصغر ضباط الثورة، وقائد الأركان حتى 1986، الذي قال أثناء محاكمته بتهمة الفساد في صائفة 92 أنه “إذ أطيح بي في 86 وأحاكم اليوم فلأني لم أكن ممن رضعوا ثدي فرنسا”.
ثم إنتهى الأمر بضباط فرنسا، الأكثر إجراما وفسادا، وعلى رأسهم خالد نزار والتواتي والعماري، أن أطاحوا بالشادلي بن جديد، دون طلقة واحدة، ذات 11 يناير 92، وهو الذي أوصلهم إلى أرفع المراتب والمناصب في الثمانينات.
إني على يقين، أن جرائم أعظم ستتكشف في مستقبل الأيام، عندما ينهار نظام العصابات، الذي مازال، كابرانات فرنسا بعبارة أدق، يحركون خيوط أكثر ألاعيبه، من وراء الستار، كما تعودوا على مدار ما يزيد عن نصف قرن من الخيانة والتآمر ضد الوطن الذين قاتلوا، يوما، لكي يظل فرنسيا إلى الأبد.