معضلة،، الموقف من النهضة
الحبيب بوعجيلة
نهاية السياسة بالجميع..
قبلة النهضة مسمومة مثل عضها..
اذا اردنا ان نفسر تجاذبات المشهد السياسي في تونس منذ انطلاق المسار الثوري العفوي و هروب المخلوع والانتخابات التاسيسية في 2011 فيجب منهجيا ان نعتمد ما يسمى بالعامل الرئيسي والعوامل الثانوية للصراع.
يجب ان نقر الان بان الاختلاف على ومن موقع النهضة اي الاسلاميين في المشهد الجديد ظل هو العامل الرئيسي في تحديد ديناميات الصراع والتناقض والتباينات والالتقاءات المتحركة في الساحة السياسية التونسية.
الموقف من الثورة واهدافها في تفكيك منظومة الفساد والاستبداد وبناء منوال تنمية جديد وتدشين الاصلاحات الكبرى للقضاء على التهميش والبطالة لم تكن هي محور الاختلافات والعامل المحدد في تشكلات المشهد.
كان الموقف من “الاسلاميين” سلبا او ايجابا هو العامل الرئيسي في تحريك المشهد فالتقى على قاعدة هذا الموقف النقيض مع نقيضه احيانا وتفرق على اساس هذا الموقف المتشابهون والاشقاء التاريخيون في احيان اخرى وان بدا في الظاهر ان “الاطراف السياسية” تغلف هذه الديناميات في اللقاء او الافتراق بلبوس “الموقف من استحقاقات الثورة” والواقع السياسي.
استثمر العديد وتضرر اخرون من تحرك “الموقع النهضاوي” في المشهد ضعفا وقوة واستفاد البعض او تضرر من “الصراع” او من “الالتقاء” مع “الاسلاميين” ولعبت “الفزاعة” ضمنيا دورا رئيسيا في تقلبات المشهد.
لم تعد اجنحة المنظومة القديمة قديمة ولم تتعب كثيرا رغم تصدعها في استعادة موقعها طرفا اساسيا في المشهد عبر استفادتها من تحويل السؤال من موقع “القديمة” الى موقع “النهضة” واستطاعت بمهارة لاعبيها من الاستثمار في التخويف من الاسلاميين الى الاستقواء بهم.
لم يعد اليسار التونسي حبيس يساريته في مواجهة النظم القديمة ولم يبقى العروبيون في بوتقة العداء للدول القطرية وبفضل تحويل “النهضة وموقعها” الى مركز النقاش اصبحت مرونة هؤلاء بادية للعيان في لعب دور اساسي لنسيان “استحقاقات الثورة” في مواجهة من ثارت عليه لتصبح استحقاقات الثورة في خطر من يمكن ان تؤول اليه.
“القوى غير الايديولوجية” ممن تكلمت باسم “الثورة” وادعت انها تناى بنفسها عن هذا “الصراع” حول موقع النهضة لم تنجح في صياغة سرديتها الخاصة ووقعت سريعا في المطب حيث تحولت بوعي او بدونه الى طرف في هذا “الاصطفاف” واصبحت اجرائيا في “الصف النهضاوي” خصوصا بحكم نجاح فصائل القديمة في تصدر وتوظيف اليسار والعروبيين في معركة الاستقطاب 2012 والذي لم تتمكن القوى “الثورية” من كسره خارج “اكراهات” الاصطفاف وراء “الشرعية” التي نجح اقطاب “اعتصام الرحيل” في جعلها “شرعية نهضاوية” لا شرعية تاسيس و” ثورة كما هي في الحقيقة.
عحز “المؤتمر” و”التكتل” وباقي المستقلين غير المعنيين بسؤال “موقع النهضة” على فرض سؤال “موقع الثورة” او “مصير القديمة” وبمجرد هبوب عاصفة هذا الاستقطاب عربيا انتهى هؤلاء “الثوريون التونسيون” ضمنيا ودون قصد ربما في غالبيتهم في اجندة “المحور الاخواني السعودي القطري التركي” الذي سيضم بشكل غرائبي الاسلاميين المرفوضين من مسار صنعته ثورات صعدتهم بالانتخابات مع نظام سعودي الذي كسر هذه الثورات حيث صعد الاسلاميون ويريد مناصرتها بهم في سوريا.
في المقابل وجد اليساريون و”الديمقراطيون” والعروبيون التونسيون انفسهم في وضع مفارقة لا تقل غرائبية فكانوا الى جانب القديمة في دور وظائفي دائم بلا مكاسب فعلية اكثر من تحسين شروط تفاوض القديمة مع النهضة ووجدوا انفسهم احيانا في اوضاع التقاء مع النظام الرسمي العربي في مواجهة طموح الشعوب في الانعتاق كما هو الشان في الموقف من الانقلاب المصري.
النهضة بدورها دفعت غاليا ثمن ذهاب الصراع في تونس الى محور الاختلاف على موقعها فسارت في تكتيكات تنازل كفت بمقتضاه عن ان تكون “اسلامية” بالمعنى الايتيقي ورغم التبريرات النظرية والواقعية لهذه التحولات فان علاقة النهضة “بجلاديها” كما يقول بعض قواعدها ونفاذ قدرتها المستقبلية على مواجهة الفساد والاستبداد يمثل خسارة فادحة. اما الاخطر فهو تورط النهضة المدافعة على “موقعها” في محور الانهيار العربي بقيادة السعودية في مقابل استعداء مجاني لمحور المقاومة وهو تورط ستتبين انعكاساته الكارثية عليها لاحقا.
المنظومة القديمة التي تلاعبت بمهارة الساحر “بالعقار النهضاوي” لتنقذ نفسها تبدو اليوم متصدعة ومتناحرة وغير منتجة بفعل نفاذ قدرة نخبها ونهاية امكانية الاستثمار في هذا “العقار” بعد ترهل “علكة النمط” و”المدنية” و”الحداثة” وغيرها من الاساطير المؤسسة لدولة الدم البورقيبينوفمبرية.
المقال استند في مرتكزاته على المستوى الوصفي الذي يستقرأ الحراك السياسي من جانب محدد ومبرر, ولكن الجانب الاهم الأكثر تأثيرا ظل غائبا , ويتمثل في الدافعين والمحددين لهذه الدينامية بشكل وجهت فيه الوضعية برمتها الى هذا المسار وهو عامل دولي واقليمي وقوى نافذة تفعّل اجندتها بدفع الجميع الى موازنات ومحددة ترسم الخطوط العريضة للمسار وتضع الخطوط الحمراء, وفيها عدم استقواء الاسلاميين بالحكم رغم شرعية الصندوق واعادة ترميم المنظومة القديمة وتحفيز القوى التقدمية للانخراط في هذا والمسار ورهن البنى الاقتصادية وضمان نفوذ ثقافة ” النمط ” الفرنكوفوني …الخ