دَوْلَـــةٌ وقِطَـــارُ
سامي بلحاج
دولتنا لا تظلم، مثل القطار تماما، ولكنها تقتل مثل القطار تماما. من يقف في طريق الدولة يموت، ومن يقف في طريق القطار يموت. للدولة خطّ مرسوم تسير عليه وفق برنامج، ليس من حقّك أن تسأل إن كان هذا الخطّ مستقيما أو معوجّا، إن كان مهترئا أو سليما، أنت أيها المواطن عليك استهلاك ما تقدمه لك دولتك، فقط دورك يقف عند الاستهلاك، ماذا تستهلك؟ واي نوع تستهلك؟ وما فائدة ما تقدمه لك دولتك لاستهلاكه؟ هذا ليس دورك، بل دور الدولة. عندنا في تونس، أنت آلة تستخدمها الدولة لبعض الوقت للسمسرة والمتاجرة والتباهي بك في بعض الأحيان وأحيانا أخرى للتسوّل بك لدى الأمم الأخرى لنيل بعض القروض. أنت أيها المواطن وسيلة في هذه الدولة لتقضي حيزا من عمرك الافتراضي لإرضاء أطماع عناصر هذه الدولة، التي تسير على خطى ذلك القطار، هو القطار نفسه الذي حصد أرواح آلاف المواطنين، الدولة تعلم جيدا انك تحمل بين طياتك أنفاسا وهي دلالة كافية تثبت انك كائن بشري ولست آلة، ولكن بمفهوم الدولة في تونس وعناصرها أنت لا تزيد عن آلة وقع تحديد مشوارها منذ الولادة وحتى ساعة الوفاة، فانت مطالب بان تكون مواطنا وطنيا مستجيبا لقانون الدولة تتلقى الرعاية في أسرة مشتتة، تتلقى التعليم في مدرسة تائهة، ربما تكمل دراستك أو لا تكملها، ولكنك في آخر المطاف تخرج إلى الشارع لطلب الرزق من اجل أن تعيش، لترجع ما كسبته من عرق جبينك لأعضاء الدولة حتى ينعموا به من اجل كانت. وقد تمرض وأنت مطالب بالبحث عن طريقة للمعالجة وتدفع مقابل ذلك من أموالك التي سلمتها عن طواعية للدولة لتخرج الدولة في الآخر لتعلن أنها تسهر على سلامة مواطنيها وصحتهم.
دولتنا هي ذلك القطار القاتل الذي يسير على سكّة انتهى عمرها الافتراضي وقد تناثرت براغيها في كل اتجاه نتيجة الصدأ الذي أصابها، ذلك القطار العاجز عن العمل بالشكل الصحيح لان محركه فاسد لم يتلق العناية والصيانة الضرورية لكي يحافظ على جسمه المنتفخ بصفائح المعدن. قطارنا كبر وشاخ وسائقه مصاب بمرض في عينيه لا يكاد يميز بين الأشياء، يسير على هداية ضوء القمر لان مصابيحه معطلة، لا يحترم المواعيد لأنه تعود عدم الالتزام بالمواعيد، قطارنا ليس له حرمة ول هبة فلا حواجز تنذرك بمروره من هذا التقاطع أو ذاك، لذلك تجد كل من هبّ ودبّ إلا وتطاول عليه بكل اللغات والحركات، فهو عديم الخلق، قطارنا هو دولتنا التي انشطرت إلى اكثر من 250 حزبا وكل حزب انشطر إلى اكثر من مجموعة وكل مجموعة لها قائد وكل قائد يرى في نفسه رئيسا وجوبيا لهذه الدولة ولهذا القطار، هذا القطار ربما لا يعرف الحقيقة انه مهما تطور فلن يصلح شانه لأنه يعيش في بيئة تونسية فسدت بمرور الزمن، ويصعب تدارك أمرها، قطارنا عليه التوقف لحين حتى يراجع كل المحطات التي يجب المرور بها، قطارنا عليه التوقف عن العمل حتى يجد من يشرف على صيانته وتجديد قلبه عله يسترجع نبضه من جديد، قطارنا في تونس عليه التوقف عن العمل حتى يعيد برمجة بصيرته من جديد على بوصلة الوطنية. قطارنا قاتل ويقتل ومصرّ على القتل ولا يريد الاعتراف بجريمته. قطارنا عليه التوقف عن العمل من اجل الصيانة الشاملة.