المعلاق الجديد أزمة النخب العربية والغربية

أبو يعرب المرزوقي
مقدمة:
المعلاق الجديد: هذا عنوان لمحاولة فهم إفلاس النخب العربية والغربية وعجزها عن تشخيص أدواء اللحظة التاريخية أو انسداد آفاق اللامتناهي الزائف.
حجج النخب العربية والغربية الواهية.
كانت هذه النخب تعلق كل مآزقها على نظرية المؤامرة الغربية فانعكست الآية وصار المعلاق هو نظرية الإرهاب الإسلامي أو فوضى المتوحشين ضد الحضارة.
كانت الأنظمة العربية ونخبها التي تدعي الحداثة والعلمانية -كل الأنظمة العسكرية ونخبها اليسارية والقومية- تبرر جرائمها بالتصدي للتآمر الغربي.
فنفس الجرائم بل وأكثر منها تبررها بالتصدي للإرهاب:
نفس السرديات تهول ظاهرتين لا يختلف أحد على تلازمهما مع التاريخ الإنساني لكنها لا تفسره.
وهي لا تهولهما بالأقوال والدعاية فحسب بل جعلتهما استراتيجية تصنعها صنعا لأنها حولتهما إلى استراتيجية حكم الاستبداد والفساد ضد وظائف الحكم السوي.
وفي هذا الإطار أريد فهم التكالب العجيب على السياسة في بلاد العرب وخاصة بعد ثورة الشباب التي زلزلت خيارات الأنظمة بصنفيها ونخبهما لتحدد البؤرة.
الوجه السياسي والوجودي للثورة 
بؤرة التاريخ تحددت وإن بصورة متفاوتة الوعي في إطارين:
• مباشر وسطحي يمكن اعتباره الوجه السياسي من الثورة.
• وغير مباشر وعميق هو وجهها الوجودي.
وهي بالوجه الأول غيرت أوليات المحل وخارطة الإقليم.
وهي بالوجه الثاني حددت بؤرة المأزق الكوني فأرجعت الأمة إلى دورها في التاريخ العالمي.
محليا تسيبت كل الغرائز البدائية في نخب الحكم الذي زلزلت خياراته فأسست بوضوح حلف المافيات المالية والإجرامية بواجهات حزبية معلومة الطبيعة.
وإقليميا عادت النزعتان اللتان أراد أصحابهما محو هويته الحضارية إما بما تقدم عليها أو بما تأخر عنها بالأنظمة القومية (داخليا) وبالأنظمة الدينية (خارجيا).
ولهذه العلة فالأنظمة ذات الأساس القومي في الأمة والنظامان الإيراني والإسرائيلي ذوي الأساس الديني يطلبون الشرعية بالحرب على حضارة الإسلام.
وتقدم الدولي على المحلي والإقليمي نتج عما فرضه شباب الربيع العربي: فديموقراطيا فضل الشعب الإسلاميين رعاة لمطالبه بمستوييها السياسي والوجودي.
النقلة من السياسي إلى الوجودي
والجمع بين المستوى السياسي (الحرية والكرامة) والمستوى الوجودي (السيادة الحضارية) هو الذي نقل ثورة الشباب من السطح السياسي إلى العمق الوجودي.
وهذه النقلة جعلت المعركة تصبح معركة استئناف حضاري لخمس البشرية التي بعودتها للتاريخ الكوني تعدل نظام العالم الجديد وتحرره من مآزق العولمة.
وعادت النخب التي حكمت بمبرر مقاومة المؤامرة لتحكم بمبرر مقاومة الإرهاب وأصبح من كان يتهم بالمؤامرة عليهم حليفا لهم في التآمر على الشعوب.
حرب الأنظمة اليسارية والقومية على حضارة الإسلام
ولكي أعين هذا الكلام فلننظر فيما يجري في بلاد الربيع:
فنفس الوجوه التي حكمت بدعوى المقاومة تحالفت مع محاربي الأمة ومرجعياتها داخليا وخارجيا.
فالأنظمة التي تطلب الشرعية مما تقدم على حضارة الإسلام أو مما تأخر عنها أصبحت حليفة مع الأنظمة التي تسعى لاسترداد إمبراطوريات ما قبل الإسلام.
تحالفوا مع إيران وإسرائيل وحتى روسيا – فارس واليهود والأرثودوكس – لمحاربة غالبية الإقليم – السنة من العرب والأتراك والأكراد لمحو حضارة الإسلام.
أما في المغرب العربي عامة وفي تونس خاصة فمحاولات إحياء العرقيات وصراع الحضارات في نمط العيش التي يخوضها الاستئصاليون تكمل صورة الوضعية.
لا يمكن أن يكون مائة وأربعون حزبا في تونس دافعهم حبها أو خدمة الصالح العام بل هي كيانات تخريبية تمولها قوى مغتربة في خطط تعادي الأمة وتخرب مرجعيتها.
تصنيف النخب حسب الصفة الغالبة
ولآخذ النخب بحسب تصنيفها بمعيار الصفة الغالبة التي تحدد دورها في الجماعة:
فنخبة الإرادة تكاثرت لأن السياسة صارت بالفساد مصدر الثراء السريع.
ولا يمكن أن يكون تكاثرهم إلى حد وصل إلى مائة وأربعين حزبا في بلد من عشرة ملايين علته حب الوطن أو خدمة الجماعة بدليل تجارة النيابة وشراء الأصوات.
ونخبة المعرفة أو العلماء من الجامعيين والباحثين.
لم نر لهم إبداعا معرفيا بل إن قياداتهم عالية الصوت وفاسدة الصيت ليست إلا أبواق نخبة الإرادة.
ولعل رمزهم من صار منهم بوقا إعلامية يقودها المخبرون في التلفزات والإذاعات والجرائد الذين كانوا ولا يزالون من مدرسة ابن علي ومسوقيه في العالم.
أما نخبة القدرة -وهم مجرد أجراء لدى نخبة القدرة الفرنسية- أعني ما يسمى برجال الأعمال فهم مشاريع مافيوزية أو بقايا مما كان منها أذيال ابن علي.
إنهم مجرد بيادق تحركها مافيا الأعمال الفرنسية -وبالذات يهود فرنسا- لكنهم يحركون الدمى السياسية والمعرفية الذين يتزاحمون في محمية لا سيادة لها.
تراهم جميعا منتفخي الأوداج وهم أذل من الدجاج.
يتعنترون على الشعوب بالعمالة والنذالة والسفالة موهمين الغافلين بأنهم رجالة وهم حثالة الزبالة.
ألقاب سلطنة في غير مملكة هررة تحاكي انتفاخا صولة الأسد بل إن بعضهم يدعي في السياسة فلسفة ودهاؤهم لا حول لهم أمام أي غفير تابع لسفير.
فإذا أتيت إلى مهرجي السلطان ممن يسمونهم فنانين فأنت أمام كاريكاتور الفن وبقايا الوهن من المعربدين من فاقدي الذوق بهذيان خال من الوجدان.
وطامة الطوام أدعياء التفلسف والتدين ممن يدعون البحث في رؤى الوجود والعالم ممن تسكرهم زبيبة لا عمل لهم غير طلب النجومية بالحرب على الهوية.
لو قلت لهم إن للريادة والسيادة شروطا لا تتحقق في أوطان لا يحكمها إلا من يقبل بشروط من يحميه على كرسي جبنه وهوان أمة القرآن لوسمك بالدعشنة.
لو قلت له إن الإرادة سيادة والعلم عبادة والقدرة قيادة والفن ريادة والوجود مهابة لسخر منك وظنك ساذجا تؤمن بالهذيان فلا حقيقة عنده إلا للشرنان.
وطبيعي. فالجوعى ذباب يقتات من أدنى الفتات:  كذلك تضيع ثورة الشباب في بلاد يحكمها الشيوخ ويعبث بها “الفروخ” في خدمة تجار التهريب و”التهييب”.
مهازل الحكم في تونس
أحمد الله أني خرجت قبل أن نصل إلى هذه المهازل.
يا نفس جدي إن دهرك هازل.
عهد بدأ بما انتهى به عهد بورقيبة لا يمكن أن ننتظر منه أفضل مما نرى.
جلست مع رئيس الدولة ساعة ونصف بدعوة منه.
تصورته فهم أن محاكاة بورقيبة ليست في استعادة تمثاله إذ كان مثاله ما تردى إليه في شقي مآله ووباله.
بورقيبة قضى عليه بلاطه رغم أنه كان فيه ممن لا وجه للمقارنة مع من أحاط السبسي نفسه بهم.
لم يحترم رمزية المنزلة لئلا تكون مهزلة: الهيبة مهابة.
والمهابة عنفوان وأخلاق
فتخابث الصغار لا يصنع الكبار بل هو تهديم يثبت نظرية ابن خلدون:
هرم الدولة لا علاج له حتى بمتحيلي الإعلام من الأزلام.
فما كان ينطلي قبل ثورة الشباب لم يعد له نفس التأثير مهما كان للشعوب من قصر الذاكرة:
فكبار الحي أحياء وشبابه أذكياء.
فهاتوا غيرها بلا غباء.

Exit mobile version