المعلاق الجديد أزمة النخب العربية والغربية – القسم الثاني

أبو يعرب المرزوقي
مقدمة
تكلمت أمس على المعلاق الجديد وبينت أن أكثر مستخدميه هم أدعياء التحديث الذين كانوا يبررون استبدادهم وفسادهم بالتصدي للمؤامرة.
والأمر عم الآن.
فحتى النخب التأصيلية في الأنظمة الإسلامية التقليدية التي تصدت لثورة الشباب وجدت فيه ما يمكنها من التغطية على تبعيتها فزايدت في اتهام الثورة.
اعتبروها مؤامرة غربية ضد الدول الوطنية -ما أحلاها وطنية المحميات العربية- وذهب بعض ادعياء المفكرين لقيسها بتعامق على انقلابات القرن الماضي.
وفاتهم أمران:
فلا شيء في سلوك الأنظمة العربية يغضب المستعمر منهم فيتآمر عليهم وهم رهن إشاراته قبل حدوث ثورة الشباب.
ولا شيء يعلل حربه على ثورة الشباب لو كانت من صنعه كما يدعون اتهاما للربيع العربي.
ما يجري في ليبيا وسوريا وما جرى في تونس ومصر يبين أنه إذا كانت توجد مؤامرة فهي ضد ثورة الشباب وليست ضد الأنظمة التي أعادوها لفرط تعلقهم بها
لن أتكلم اليوم على تبعية الانظمة بصنفيها العسكري والقبلي اللذين حاربا الثورة فسأقتصر على أصل كل الأدواء في وضعنا:
هل لنخب العرب حقيقة مسماها ؟
بعبارة وجيزة: هل لنا نخبة إرادة ونخبة معرفة ونخبة قدرة ونخبة حياة ونخبة وجود بحق أم إنها جميعا أسماء بلا مسميات بسبب فساد معاني الإنسانية؟
فساد معاني الانسانية الخلدوني
“فساد معاني الإنسانية” مفهوم خلدوني وصف به ابن خلدون أنثروبولوجيا الانحطاط التي تنتج عن التربية والحكم العنيفين فيقضيان على معاني الإنسانية.
وقد قسم ابن خلدون هذه المعاني إلى ما سماه علامات المدنية أو الأخلاق العامة -الموضوعية بلغة هيجل- وهي فقدان القدرة على غير حياة العبودية.
انثروبولوجيا الانحطاط الخلدونية هي النكوص من أخلاق الأحرار إلى أخلاق العبيد كحالنا. ويصفها ابن خلدون نفسيا وخلقيا أولا ثم اجتماعيا وسياسيا.
ولنورد نصه المتعلق بأثر التربية والحكم العنيفين على أخلاق الفرد والجماعة:
التربية:
“ومن كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم
1. سطا به القهر وضيق على النفس في انبساطها وذهب بنشاطها ودعاه إلى الكسل وحمل على الكذب والخبث وهو التظاهر بغير ما فيه ضميره خوفا من انبساط الأيدي بالقهر عليه
2. وعلمه المكر والخديعة لذلك وصارت هذه عادة وخلقا
3. وفسدت معاني الإنساني التي له من حيث الاجتماع والتمدن وهي الحمية والمدافعة عن نفسه أو منزله
4. وصار عيالا على غيره في ذلك
5. بل كسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل فانقبضت عن غايتها ومدى إنسانيتها فارتكس وعاد في أسفل سافلين.
الحكم:
وهكذا وقع لكل أمة حصلت في قبضة القهر ونال منها العسف. واعتبره في كل من يملك أمره عليه ولا تكون الملكة الكافلة له رفيقة به. وتجد ذلك فيهم استقراء” (المقدمة الباب 6 الفصل 40).
وقبل مواصلة الكلام فهل يوجد من يشكك في انطباق وصف ابن خلدون على ما يجري في مجتمعاتنا والأخلاق العامة المسيطرة عليها مطلق المطابقة؟
والمطابقة تشمل الجماعة ككل في أقطارنا -إلا القليل النادر- وإلا لما أمكن أن يوجد في مصر أو في تونس بعد ثورة الشباب ما نراه كما ينطبق على الإقليم كله عربه وغيرهم.
فأكبر فضل يمكن أن ننسبه إلى ثورة الشباب هو دورها في فضح كل الانظمة العربية وخاصة تلك التي تدعي القومية والمقاومة وحلفائها من غير العرب (إيران ومليشياتها من كل شيعة العالم).
تبين للجميع أن كل الانظمة ونخبها تشترك في كونها تابعة وخاصة من كان منها يدعي مقاومة الاستعمار والاستكبار وغيرها مثلها ومتهم منها بالتبعية.
لذلك فهي اتحدت ضد ثورة الشباب فكانت الحرب على شباب تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن وأصبح تراجع بعض الانظمة التقليدية ممولة الانقلابات شبه مستحيل بعد أن تورطت وارتد عليها ما فعلت فصارت الانقلابات التي أيدتها أخطر أعدائها عليها (الحوثي وصالح والسيسي وقريبا حفتر وهلم جرا).
وما أريد تحليله بدقة هو سلوك النخب التي تدعي الحداثة خاصة (قوميين ويساريين وليبراليين) إزاء ما حدث في مصر وتونس وما يحدث في سوريا وليبيا وكيف وصل بهم إلى حد فساد معاني الإنسانية بالمعنى الخلدوني.
لم يعد أحد منهم يستحي من الجرائم الشنيعة من تجويع وتقتيل وتعذيب واستعمال لكل الأسلحة المحظورة وتهديم المدن والمعالم والمستشفيات والمساجد والمدارس وكل ما له صلة بحضارة الشعب السوري والعراقي واليمين فضلا عن القتل الجماعي كما في فض اعصامات مصر أو في تجويع مخيمات اللاجئين الفلسطينين.
علاقة النخب الخمسة بفساد معاني الإنسانية
سبق أن بينت أن النخب في أي جماعة لا تعدوا الأصناف الخمسة التالية:
• نخبة الإرادة السياسية
• ونخبة المعرفة العلمية
• ونخبة القدرة الاقتصادية
• ونخبة الحياة الفنية والرياضية
• ونخبة الوجود التي هي فلسفية ودينية عامة وهي التي تتكلم في رؤى العالم والمرجعيات فتعير الأصناف السابقة بقيم متعالية.
ولا توجد جماعة خالية من أي من هذه النخب وإن بأقدار متفاوتة.
لكن هذه النخب يمكن أن تكون في جماعة معاني الإنسانية فيها سوية وفي أخرى تكون غير سوية لأنها مستعبدة ففسدت فيها معاني الإنسانية.
وإذن فعلينا أن نجيب عن الأسئلة التالية:
هل كل صنف من هذه النخب تتجسد فيه أخلاق الأحرار ومعاني الإنسانية؟
أم انحط ففسدت معاني الإنسانية لديه؟
نخبة الارادة
ونبدأ الجواب بالكلام في نخبة الإرادة التي يمثلها السياسيون.
سمينا السياسيين كذلك لعلتين: فالمفروض أولا أن يكونوا ممن غلبت عليهم صفة الإرادة.
ومن المفروض ثانيا أن تكون هذه الغلبة قد بلغت مستوى يرشحهم لدى الجماعة لتمثيل إرادتها.
وهذا يتبين فيما يسمى بديناميك الجماعات والإرادة من صفات القيادة.
ويتضح ذلك خاصة في سن المراهقة ضمن الجماعات الشبابية في الأحياء والمعاهد والألعاب والصراعات بين الشباب على الزعامة وخاصة بحضور البنات.
فهل سياسيونا تتوفر فيهم هذه الصفات؟
أم هم كما بين ذلك ابن خلدون من فاقدي معاني الإنسانية لأنهم في الأغلب موظفين عند من يمثل إرادة المستعمر؟
كيف نحسم هذا الخيار؟
هل نكتفي بالوعود والأقوال أم نغوص إلى النتائج والأفعال؟
سأكتفي بحجتين: بحسب صنفي الأنظمة العربية ونخبها المسوقة لها.
فالصنف الأول هو صنف الأنظمة القومية ومعها النخب القومية واليسارية العربية:
هل يمكن أن يكونوا بحق من ذوي الإرادة شخصيا وممثلي ارادة الجماعة؟
هنا يكفينا مثال النظام السوري والنخب القومية واليسارية العربية:
كيف لقومي أو يساري يدعي تمثيل الجماعة أن يقبل الاحتلال من قومية أخرى بقيادة دينية (إيران في سوريا والعراق)؟
ومثال من الأنظمة التي تدعي الإسلام حتى بمعناه التقليدي كيف يكونوا بحق ممثلين للإسلام ولإرادة الامة وهم يقدمون كراسيهم على كرامة الأمة الإسلامية؟
لذلك فكلا النوعين من الأنظمة العربية ونخبها المسوقة لها ينطبق عليها “كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ” لا علاقة لأفعالهم بأقوالهم فهي لا قومية ولا إسلامية إلا بالاسم والشعارات.
وقد يظن البعض أن الفرق بين الأقوال والأفعال خطة دبلوماسية لمغالطة الأعداء.
لكن احتلال إيران لسوريا والعراق وأمريكا للخليج لا نقاش فيهما.
وأكبر الأدلة وأكثرها عمقا هو ما فضحته ثورة الشباب:
فقد تبين أن الأنظمة العربية من المحيط إلى الخليج محميات إسرائيلية وإيرانية بوصفهما شرطيين أمريكيين يساعدان الاستعمار في الحرب على غالبية شعب الإقليم وعلى المرجعية الحضارية للأمة.
وما لا شيء يزعجني أكثر منه هو النخب المسوقة للأنظمة وكثرة الكلام على المؤامرة والإرهاب متهمين شباب الثورة بهما وما يفعلونه هم هو عين المؤامرة والإرهاب.
فأرذل من عرفت في المجلس التأسيسي التونسي الذي نالني شرف تمثيل إرادة شباب الثورة فيه من المتاجرين بكرسي النيابة يرتحلون بين الأحزاب ويدافعون عن جرائم بشار والسيسي إلخ.. ويعدون لعودة ابن علي.
لهم أسم النخبة السياسية ولا إرادة لهم ولا يمثلون إرادة الجماعة بل هم باحثون عمن يستخدمهم بمقابل لان السياسة أصبحت أيسر طريق للإثراء السريع.
وإذن فمفهوم فساد معاني الإنسانية الخلدوني ينطبق عليهم مطلق الانطباق لأنهم ليس لهم مما يدعون إلا الاسم وما كثرة الشعارات إلا تقية للتحيل.
ولا يعني ذلك أنه من بين مائة وأربعين حزبا تونسيا لا يوجد من له صفات القيادة والغيرة على الوطن. إنما هم قلة قليلة صارت لا حول لها ولا قوة.
فالكثرة المفرطة تلغي دورهم ومهاترات الطحالب تقتل كل من يسعى للبناء من أجل تحقيق أهداف ثورة الشباب.
وكما هي العادة فالعملة الزائفة تتغلب على العملة الحقيقية فتضيع جهود النخبة السياسية الصالحة والتي هي دائما من أندر الأشياء ككل فضيلة.
وهذا الكلام يشمل نوعي النخبة السياسية ومستوييها:
الأحزاب السياسية عامة ثم من تنتخبهم لمسؤوليات الدولة حكما ومعارضة لقيادة الحياة السياسية.
نخبة المعرفة
أمر الآن إلى نخبة المعرفة.
فهذه النخبة جلها إن لم تكن كلها ليست إلا موظفين عند نخبة الإرادة حكما ومعارضة يقلون المعرفة ولا يهتمون إلا بشكلياتها دون أخلاقها لانشغالهم بالحظوة لدى أهل السلطة السياسية والمالية.
النافذون منهم طبالون ومزمرون وظيفتهم الثرثرة الإيديولوجية حول المؤامرة والإرهاب شرطين لدعاية الأنظمة التي بقاؤها رهن خدمة حاميها من شعوبها بهذين الشعارين: مكافحة الإرهاب ومقاومة المؤامرة.
وجل عملهم الآن تقديم أنفسهم خبراء في الإرهاب والحركات الإسلامية وصحافيين ومعلقين لتلميع الأنظمة المقاومة للمؤامرة والإرهاب غيرة على الامة.
وهذا القسم الأول من نخبة المعرفة يثبتون جهلهم مرتين:
فهم يجهلون أن كل الشعوب تتآمر بعضها على البعض بسبب التنافس فلا يستعملون ذلك لتبرير فشلهم بل يحاولون التصدي والنجاح.
وهم يجهلون أن مهمة الخبراء ليست تبرير الفشل بالتآمر والإرهاب الذي هو جزء من التآمر بل هي علاج آثارهما بتحصين شعبوهم منهما وتجنب الفشل بعلاجهما لا تبريره بهما.
إنهم خبراء تبرير الفشل بما يدعون خبراء فيه ومحاولة خلق بطولات دونكيخوتية للفشلة:
والدليل أن كل ما عشناه من حرب كلامية على اسرائيل لم يكن إلا من بطولاتهم الكرتونية ومن دجل نخبهم الطبالين.
والقسم الثاني من هذه النخبة التسويقية وظيفتها إعلان الحرب على الإسلام بتضخيم ظاهرة ملازمة لرد فعل المضطهدين في حالات اليأس والعجز: الإرهاب.
لكنهم بسخف لا نظير له يزعمون الخبرة في الأديان والحضارات ويقدمون أشباه نظريات هدفها نيل الحظوة عند أسيادهم وليس الا والنجومية لخلو وطابهم من العلم الرصين.
نخبة القدرة
وبذلك نصل إلى بيت القصيد أي الصنف الثالث من النخب:
نخبة القدرة الزائفة أو رجال الأعمال المافياويين عملاء مافية المستعمر التي تمتص دماء شعوبنا. فهؤلاء هم موظفو النخبتين اللتين درسنا قبلهم.
فهم يمولون الـمائة وأربعين حزبا في تونس ولعل أمثالهم في مصر وفوضى الحرب الدونكيخوتية بين أشباه سياسيين يتسابقون في النهب والسلب.
تونس كانت تحكمها المافيات الصغرى بسيطرة مافية كبرى -مافية ابن علي- وبعده انفتحت جبهة الصراع بين المافيات فجندت النخبتين السياسية والمعرفية كلابا كما قال أحدهم (شفيق جراية).
وكذلك كان الأمر مع القذافي وصالح ومبارك وبشار ومثلهم جل حكام العرب: ولو يسقط رأس أي نظام عربي فسيحصل ما حصل في تونس ومصر وسوريا وليبيا الخ..
نخبة الحياة
ثم تدور الحلقة فنخبة الحياة أو الفنانين والرياضيين وظيفتهم التهريج والتلهية لتزيين الحرب الدونكيخوتية بين الساسة وخبرائهم بيادق المافية الناهبين لثروات الشعوب.
نخبة الوجود
أما النخبة الأخيرة ممن يدعون التفلسف والتدين فهم جوقة المبررين لكل هذه المهازل التي يسمونها دولا وهي محميات توابع عديمة السيادة وبليدة القيادة.
معاناة الشعوب من نخبها.
وهذه ليست لوحة سوداء في ضوء مثالية غافلة يعبر صاحبها عن عدم فهم دواخل الساسة بل هي وصف يميز صاحبه بين السياسة في أنبل معناها وسياسة من فسدت لديهم معاني الإنسانية باخلاق العبيد.
لا يمكن أن ينكر صحة هذا الوصف أحد حاول أن يفهم علل الوضعية العربية الحالية من المحيط إلى الخليج.
فكلما حاول المرء أن يفهم العجز الذي تعاني منه نخب الامة والعطالة التي يئن تحتها الشعب لا بد وأن يصل إلى ما وصل إليه ابن خلدون حول فساد معاني الإنسانية علامة حاسمة في تحديد مفهوم الانحطاط وما يترتب عليه من عجز تام في بعدي الوجود الإنساني: استعمارا في الأرض واستخلافا فيها.
فمن ينظر في أحوال أقطارنا من المغرب إلى العراق يدرك أننا أمام أفسد نخب العالم فيفهم أن شعوبنا تعاني من نخبها بأصنافها الخمسة التي ذكرت أكثر مما يتهم به الغرب من مؤامرات وبعض الشباب اليائس أو المغرر به من إرهاب.
فالمؤامرة والإرهاب الذي هو أحد أدواتها -ظاهرتان لا تخلو منهما جماعة- ولا يمكن أن تفسر ما عليه أحوال الامة لأن جميع الجماعات تتآمر دائما على بعضها البعض وتستعمل الإرهاب في علاقاتها التخريبية.
فلا توجد جماعة لا تتآمر على أجوارها طمعا في ما لديه لاستحواذ عليه سلما أو حربا.
لكن الامم ذات النخب الحقيقية تنتصر في حرب الكل على الكل لأنها تكون ساعية لتحقيق وظيفتي الدولة: الحماية والرعاية.
لكن الأمم التي تكون نخبها اسما بلا مسمى يكون أكبر أدوائها أن الجراثيم والفيروسات الذاتية تنهكها فلا تستطيع الصمود لأن المخربين من الداخل.
ويكفي مثالا سرقات الحكام والنخب التابعة لهم: فاليمن على فقره استطاع رئيس مافيته أن يسرق ستين مليار دولار. وليست البقية دونه نباهة لصوصية.
فكون الجزائر وتونس وليبيا ومثلها الكثير من بلاد العرب عاجزة عن سد حاجات شعوبها الأساسية رغم ما من الله به من ثروات دليل قاطع على قولنا.
خاتمة
لو كنت مباشرا للعمل السياسي لما كتبت ما أكتب لأن ذلك كان سيؤول على أني أدعي الاستثناء والتميز. وما كنت لأفعل لعلتين بسيطتين.
فالسياسة ليست فن قول الحقيقة حتى عند الصادقين الذين يعلمون أنها إن صدقت تكون فن تحقيقها دون الحاجة لقولها لأن قضاء الحاجات يقتضي الكتمان.
لكن الحجة الأقوى هي أنه في مجال أداته الأساسية الكذب لا أحد يصدق من يصدق القول بل إن أكثر الاشياء تكذيبا هو قول الصدق: لا أحد يصدق قائلها.
قانون الخطاب السياسي هو ما يقبل التصديق وليس الصدق.
وما يقبل التصديق هو الكذب الذي ينطلي لأنه يبدو معقولا وغالبا ما تكون الحقيقة شبه لا معقولة. وتلك هي علة الحاجة إلى طبالين ومسوقين للمغالطة.
وبهذين الصفتين الغالبتين على الخطاب السياسي فهمت أني ليست قادرا على السياسة “فأكرمت لحيتي” وانسحبت بأقل الأضرار. لم ابق طويلا لئلا أتطبع بها.
وحتى لا ييأس شباب الثورة فلأذكر لهم مثالين يطمئنهم على أن ثورتهم انطلاقة لن تتوقف قبل أن تحقق شروط الاستئناف:
أولهما في النشأة الأولى.
والثاني في النشأة الثانية.
والأولى عربية والثانية تركية:
الأولى طلقة البداية والثانية طلقة الاستئناف.
شعب أفشل ما لو نجح لتضاعفت سايكس بيكو تلك هي بداية الاستئناف في تركيا. وشعب ثار شبابه بعد أن كاد الجميع يياس من العرب تلك هي بداية الاستئناف.
بداية دولة الاسلام عربية إلى منتصف تاريخ الإسلام واستئنافها منذئذ إلى نجاح العدو في تدمير وحدة الامة كان تركيا.
وإذن فالاستئناف عربي وتركي حتما.
تلك مهمة الشباب ورسالته ليس في الإقليم وحده بل في كل المعمورة.
فالمسلمون هم القطب الثاني بعد الصين ديموغرافيا وهم الأول بالقوة على الأقل من حيث الإمكانات والانتظارات كونيا: الإسلام مستقبل البشرية ذلك ما لا يخامرني فيه أدنى شك. ذلك هو الهدف الأسمى لثورة الشباب:
فالمطالب المباشرة لها شروط يحددها عصر التكتلات الكبرى.
وبالنسبة إلينا هي تعاون المسلمين لاسترداد دورهم في العالم.
أما إذا بقيت اقطارنا محميات استعمارية فإن من يحكم إرادتنا وعقلنا وقدرتنا وحياتنا ورؤانا الوجودية سيكون الخونة من الطوابير الخامسة فيها.

Exit mobile version