شفيق جرّاية: العمق المتعفّن في مستنقع السّياسة.
ظهرت هذه العبارة بعيد سقوط الدولة العثمانيّة وتشير عبارة “الدولة العميقة” إلى كل القوى الإداريّة والماليّة والعسكريّة المناهضة لقوى التغيير ولعل ظهورها تاريخيّا يجسّد علاقة الصّراع بين ما أنتجته الدولة القديمة من قوى فاعلة وما راكمته من سلوك سياسي والقوى الثائرة التي ترغب في التغيير الجذري والعميق.
لقد كان لهذا الصّراع تجليّات متعدّدة فمنها ما يتّخذ شكلا إداريّا (تعطيل القرارات والمشاريع) ومنها ما يتّخذ بعدا اقتصاديّا واجتماعيّا (ارتفاع الأسعار بسبب الاحتكار) ومنها ما يتّخذ بعدا أمنيّا (التخويف وعمليّات القتل والتصفيات والاغتيالات..). ما حدث في تونس بعيد الثورة ليس غريبا في تاريخ الثورات وليس غريبا في علوم السياسة بل إنّ ما حدث في تونس يحاكي تقريبا ما حدث في فرنسا بعيد الثورة (سنوات الجوع والإرهاب) ولكن عناصر الثورة المضادةّ المسنودة بمكوّنات الدولة العميقة استنسخت ملامح الثورة ومكوّناتها الفاعلة (أحزاب وتيّارات فكريّة ومنظّمات شغليّة)..
1. كلاب الحراسة: Les chiens de garde..
عنوان لكتاب للفيلسوف والصّحفي والأديب الفرنسي “بول نيزان” كتبه سنة 1932 وفي العنوان إشارة استعاريّة للمثقّف المزيّف والانتهازي الذي يتلازم حضوره مع حضور مؤسسات السلطة وفي تونس استعانت الدولة العميقة في معركتها مع الثورة وشعاراتها وأهدافها بمثقّفين وجامعيين ورجال قانون ورجال دين وصحفيين وكتّاب وأدباء وشعراء حرّفوا مسارات الثورة وأربكوا أهدافها وتمّكنوا من ترذيل الثورة ورموزها..في تونس كثيرون كانوا مكوّنا عضويّا وعنصرا وظيفيا في “ماكينة” الدولة العميقة وثورتها المضادّة.
2. كلاب الصيد: Les chiens de chasse..
عناصر مدرّبة مخابراتيّا وأمنيّا ولها عمليّات خاصّة ومحدّدة في الوقت والوظيفة ثمّ تختفي من الميدان.. مطيعة وتستجيب للأوامر دون أن تتردّد في الفتك بالخصم.. ولاؤها وظيفي ومشروط بشروط التدريب وكثيرا ما يقع التخلّص منها كلّما استشعر “الموظّف” عجزها عن تنفيذ المهمّات وصيد الضّحايا وهي في الواقع التونسي العناصر التي نفّذت الاغتيالات وقامت بعمليّات إرهابيّة قصد إرباك المسار الثوري.