أقوم المسالك لتجنّب المهالك المتوقّعة بين وزارة التربية والنقّابة
سامي بلحاج
توالت الازمات بين النقابة بشقيها الاساسي والثانوي ووزارة التربية، وكانت الازمات الاولى كلها علائقية، اي ان النقابة كانت تلقي اللّوم على وزير التربية لانه لا يتواصل بالكيفية المطلوبة معها خاصة وان بينهما عهدا انطلق بموجبه ما يسمى بالاصلاح التربوي. اليوم وبعد صراعات مختلفة وتجاذبات بين الطرفين وصلنا الى طريق مسدود، انسدّت معه كل سبل الحوار وتمسك كل طرف بموقفه واصبح ما يشبه القطيعة بين وزارة التربية والنقابة. النقابة تمسكت بطلب ابعاد الوزير الحالي عن الوزارة، والوزير قرر مواصلة العمل بشكل انفرادي مدعيا تخلي الطرف النقابي عن تعهداته المتمثلة في المشاركة في كل اعمال وزارة التربية والتي يتلقى دعوة لحضورها.
من اخطأ ومن أصاب ؟ لا يعنيني في هذه الحالة من المخطىء ومن المصيب، لان كلاهما لم تكن له المقدرة في اقناع الراي العام بوجاهة موقفه، الاعلام من الافضل ان لا نعتبره عنصرا في تقييم الوضع لان دوره المنحاز لحزب النداء انكشف للعموم ولم يبق خفيا عن احد ولذلك فهو اي الاعلام لا يناصر وزير التربية في موقفه من اجل ناجي جلول بقدر مناصرته لحزب النداء ولذلك فان دوافع الاعلاميين في وقوفهم مع وزير التربية هي دوافع سياسية وليست تقنية وموضوعية بحكم ان وزير التربية عضوا في حزب النداء.
النقابة اعتبرت ان ما اقدم عليه ناجي جلول من تهكم على المربّين والحط من كرامتهم امام الاولياء والتلاميذ، هو اكبر تعدي على المربي ولا يمكن تجاوز هذا الامر او السماح لمن اهان المربي بان يبقى على راس الوزارة.
ناجي جلول ادرك انه اخطا في تعامله مع المربين ولكنه لم يتخذ اي موقف ايجابي يتدارك به وضعه بل كابر وزايد على سلامة موقفه واعتبر ان جمهور المربين لم يتلق الرسالة من الوزير بالشكل السليم.
في المقابل، وزير التربية يواصل في اتخاذ اجراءات احادية تمس من الشان التربوي مدعيا ان ما اتخذه من اجراءات واليات يدخل في خانة الاصلاح التربوي المتفق عليه والنقابة منذ البداية.
هنا تعكرت الحالة القائمة بين ناجي جلول والنقابة وهنا اخطا الوزير لانه اعلن في عديد المناسبات بان الاصلاح التربوي يتطلب دراسات وتحاليل وجلسات ونحن بصدد الانتهاء من اعمال اللجان المعنية بالاصلاح لنعلن نهائيا عن مخرجات الاصلاح التربوي وننطلق في تركيز الياته وبرامجه. والى اليوم لم يتم الاعلان رسميا عن اختتام اعمال اللجان المكلفة بالاشراف على الاصلاح التربوي ولكن السيد الوزير اصدر عديد القرارات المسبقة والمحسوبة على الاصلاح التربوي في حين انها قرارات شخصية تعود لرغاباته الشخصية.
فهل لجان الاصلاح التربوي تعمل وفق منظومة عمل علمية منظمة ؟ ام انها تعمل بنظام تشريع رغبات الوزير واعطائها الغطاء القانوني ؟
العلاقة بين النقابة والوزارة تعكرت وتصدعت ويبدو ان التنازل عزيز على الطرفين، حتى اعتذار جلول مؤخرا كان فيه الكثير من الحذلقة فهو اعتذر لعدم فهم الاصلاح التربوي وهذا فيه استنقاص للطرف المقابل الذي تعاقد معه حول الاصلاح التربوي، الوزير اعتبر ان الاصلاح التربوي اصبح حقيقة وواقعا وهو يعتذر من الذين لم يستوعبوا ذلك، يعني ان حتى اعتذاره فيه تهكما على الطرف المقابل، وهذا لا يؤسس الى اقامة علاقة محترمة بين مؤسستين.
ليس بالامكان الاتيان على كل ما يعيق مواصلة الحوار بين وزارة التربية والنقابة ولكن على الطرفين الالتزام بالحكمة ووضع المصلحة العليا للوطن فوق كل اعتبار ولاني لم اجد الى حد هذه الساعة اي طرف تقدم بمقترح يمكن اي يقبل به الطرفين فاني ارى ان الحل يكمن في نقاط معينة على الطرفين الالتزام بها حتى نتمكن من تجاوز الاشكال والمضي قدما سوية نحو انجاح السنة الدراسية اولا ومواصلة مسيرة الاصلاح للاجيال القادمة وهذه النقاط اقترحها تباعا:
على وزارة التربية والنقابة العودة لنقطة الصفر اين انطلقت الخلافات، ولحظة انطلاق الخلافات هي اللحظة التي بادر فيها السيد ناجي جلول باخذ قرارات احادية الجانب دون العودة للنقابة حتى للتشاور او الاعلام.
1. السيد ناجي جلول الغى الاعداديات التقنية بشكل احادي وهذه المشكلة تم تجاوزها في حينها وتراجعت الوزارة عن قرارها، وكان بالامكان تفادي ذلك لو تشاور الوزير مع النقابة.
2. على الوزير الغاء الية المدرسة تستعيد ابناءها لما فيها من ارهاق للمربي ولاطار الاشراف والوزير يدرك كل الادراك فشل هذه التجربة وان مردوديتها لا تقابل العناء المادي والمعنوي المنفق في سبيلها، وقد كنت نشرت مقالا في جريدة الشروق بتاريخ 25 جانفي 2016 بالصفحة 20 تحت عنوان (كان حري بنا اطلاق حملة: الدولة تستجيب لابنائها، لان الفشل في الدراسة لا يعني الفشل في الحياة) وعلى اثر ذلك المقال وفي شهر افريل 2016 اقترح رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد مشروع قانون لاجبارية التكوين المهني ومؤخرا صادق مجلس نواب الشعب على هذا القانون الذي صدر بالرائد الرسمي واعلن عنه السيد عماد الحمامي وزير التكوين المهني بان التكوين المهني اصبح اجباريا وهذا رسالة واضحة لوزير التربية بان ليس من مهام وزارة التربية اعادة الاطفال لمقاعد الدراسة خاصة من لم يعد راغبا في ذلك وان الدولة هي المسؤولة على توجيهه الى التكوين المهني لتعليم اختصاص مهني او حرفي او خدماتي، وبالتالي فان الغاء هذه الالية يخفف الضغط على الوزارة وسيريح المربي وسيرتقي بمردودية المؤسسة التربوية.
3. الغاء برنامج ديوان الخدمات المدرسية او تجميده الى حين اعادة النظر في هيكلية وزارة التربية والمندةوبيا الجهوية لما لا حظناه من تداخل في المهام والصلاحيات وكثرة المسؤولين وعدم وضوح الرؤية في تحديد المسؤوليات وهذا قرار اتخذه وزير التربية لوحده دون مشاركة اي طرف باعترافه شخصيا.
4. الغاء برنامج الادارة المحلية لعدم جديته وتداخل الصلاحيات وكذلك لعدم جدواه، فوزارة التربية تدعي ان من اهداف الادارة المحلية هو تقريب الخدمات للمواطن فان هذا تضليل للراي العام والمواطن الذي تتعامل معه وزارة التربية هو الولي والولي مكان التعامل الطبيعي له هو المؤسسة التربوية اين يدرس ابنه او ابنته وبالتالي فان الادارة المحلية بالنسبة للولي هي المدرسة او المعهد وكذلك الامر بالنسبة للاداري او الموظف او المربي الذي يرغب في قضاء شان اداري فهذا المربي او الموظف اما انه ينتمي الى مدرسة ابتدائية او اعدادية او معهد وهذه المؤسسة هي ادارته المحلية ليس الا وفيها يقضي شانه وهو ليس بجاجة للتوجه الى الادارة المحلية المزعومة لقضاء شؤونه، وهنا كان على الوزير ان يطور ويرتقي بادارة المدرسة او المعهد ويدخل عليها بعض الصلاحيات لتصبح تقوم بدور اكبر وارقى والكلفة ستكون اقل بكثير مما سينفق على الادارة المحلية دون جدوى.
5. الغاء نظام التقييم السداسي والوزير يعلم جيدا انه نظام اكد فشله منذ انطلاقة، والعودة الى نظام التقييم الثلاثي.
6. الغاء نظام العطل السداسي وقد تدارك الوزير امره في هذا المجال، والعودة الى نظام العطل الثلاثي.
بالعودة الى نقطة الصفر متى اندلعت الخلافات بين زير التربية والنقابة والبناء من جديد على ارضية صلبة وواضحة سنجنب ابناءنا مشاكل لم يكونوا طرفا فيها ولا سببا لها بل هو سوء تصرف وعدم تقدير لمكانة الدولة فالكل يتصرف وكانه في ملكية خاصة يفعل ما يحلو له دون مساءلة ولا رقيب.
واني انصح رئيس الحكومة للتدخل لاتمام هذه المقترحات وتفعيلها وانصح وزير التربية بان يستعين بمنتقديه قبل الاستعانة باصدقائه واقربائه لان الموالين له لن ينتقدوه لانهم يعلمون جيدا ان الوزير ولي نعمتهم ومتى عارضوه خسروا هذه النعمة اما عن المسؤولين التابعين للوزارة فهم مصابون بداء الصمت ولا احد يمكن له ينطق بكلمة في برنامج الوزير ولن ترى سوى الرؤوس مطاطاة وموافقة على كل امر حتى ولو كان الخراب امامهم.
هذه اهم النقاط القادرة على نزع فتيل الصراع القائم بين ناجي وزارة التربية والنقابة، اما سياسة (بوس خوك وبرا روّح) فلن تجدي نفعا وهي سياسة اعتمدها الباجي قائد السبسي والشيخ راشد الغنوشي لتسيير ادارة الدولة وهي التي اوصلتنا الى هذا الارباك الشامل.
ومن يفكر بفكر الدولة عليه التنازل لما فيه خير للدولة.