حليمة معالج
كان قطاع البريد سباقا في كشف ملفات الفساد المالي والإداري، وكان الأسرع إن لم نقل الأول في إحالتها على المحكمة الابتدائية مباشرة بعد هروب المخلوع.
تعهدت المحكمة الابتدائية بتونس بالملفات بدرجات متفاوتة الاهتمام ثم إحالتها بدورها إلى القطب القضائي المالي بمجرّد إحداثه.
كانت الملفات من الوزن الثقيل، وتتعلق بصفقات مشبوهة قيمتها ملايين الدينارات وليس الألاف، وتعرّضنا من اجل ذلك إلى حملات تشويه مغرضة بهدف إرباكنا والنيل من عزيمتنا، وقدّمت ضدّنا القضايا بالعشرات، وتعرّضت إحدى الزميلات إلى محاولة القتل، ومع ذلك لم نركع ولم نستسلم، ولم نتراجع وكلنا عزم وإصرار على مواصلة المشوار كلفنا ذلك ما كلفنا، حتى ولو كلّفنا الكثير.
في بادئ الأمر تناول قطب القضاء المالي الملفات بجدية كبيرة، وفتح تحقيقات جريئة في كل الاتجاهات، وتمت دعوة عشرات المشتبه بهم ومئات الشهود، وتم تعيين خبراء في مختلف الميادين.
أخذت التحقيقات في الملفات منعرجا حادا أثار الرعب في نفوس الكثيرين خاصّة بعد إصدار بطاقة إيداع بالسجن في عديد المشتبه بهم، إلى أن جاءت انتخابات 2014 وتولّى النداء زمام الحكم، وتمت إزاحة القاضي المتعهد بملفات البريد إلى حيث لا نعلم، ولم يتم تعويضه إلى حد اليوم، وأغلقت الملفات بعد ذلك على الفور وبشكل كامل، وتبخرت كل آمالنا وأحلامنا بأن تتخلص هذه الدولة من الفاسدين.
سيدتي المحترمة،
أنا لا أقول هذا لإحباطك وثنيك عن النهج الذي اخترته، ولكن لأعلمك بان ما ينقصنا ليس ملفات الفساد لأنها للأسف الشديد كثيرة وكثيرة، ومتوفرّة لدى عديد الشرفاء.
ما ينقصنا سيدتي الكريمة، ويعيق كل محاولة لوضع حد لهذا النزيف هو غياب كل إرادة سياسية حقيقية لفتح ملفات الفساد والرشوة، تحت ضغط لوبيات معلومة وغير معلومة تتمعّش من منظومة الفساد.