الحبيب بوعجيلة
أرسل والي حمص الى عمر ابن عبد العزيز يطلب مالا وفيرا لبناء سورها وتبليط بعض شعابها القصية فأجابه: “حصنها بالعدل ونق طرقها من الظلم”.. حضرتني هذه الحكاية وأنا أقرأ خبر العلم الوطني الذي سيرفرف على قاعدة ستُصرف عليها مئات الملايين.
لستُ “شعبويا” اذ علمني “هيغل” وهو يفسر تاريخ الفنون أن الشعوب تضع في المعالم العظيمة (التي تشيدها دون غايات اقتصادية أو دينية) أدق مشاعرها في الاعتزاز واحساسها الغامض بالعظمة اذ تجسد “الجلال” في الاهرامات أو الابراج والمسلات والسواري والتماثيل. ولعل من مقومات مدن وعواصم الأمم العظيمة تلك المعالم الفنية الرائعة والرهيبة التي تنحتها الانامل المبدعة وتمنح زائريها احساسا بعظمة تلك الشعوب.
لكن للأمم والشعوب أولويات في كل مراحل تاريخها. بدا لي الخبر تلخيصا لبرودة “الوطنية” الغبية التي تحكم مثل هذه المبادرات الفاقدة للخيال واستيعاب اللحظة.
أدرك جيدا أن مثل هذه “الحركات” تتم في ظرف تحتاج فيه مدننا التونسية الى اعادة تخطيط وبناء ينقذها من “التعاسة المعمارية” التي تعانيها قبل التفكير في تأثيثها بمعالم نعرف مسبقا بلادة الذوق الفني الذي سينتجها وحجم سوء التصرف المالي الذي سيرافقها ما سيجعلها “تبذيرا” أحمق للمشاعر والأموال في مثل صفاقة نشر “علم سلمى اللومي” على رمال الصحراء ليتراقص عليه أنصاف الرجال وأرباع النساء ذات يوم في تظاهرة غبية ضاعت فيها الاموال والعقول بلا جدوى.
دعوه أولا يرفرف في قلوبنا وعقولنا يا “أدعياء الوطنية الباهتة” في وطن الجوعى والمهمشين ثم سنُرصف له جماجمنا ان شاء ليرفرف في سماء أحفادنا بعد أن نبني وطن عزة لمواطن حر كريم…
دعوه يرفرف في قلوبنا أولا …
![](https://i0.wp.com/tadwinet.net/wp-content/uploads/2020/12/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A8%D9%8A%D8%A8-%D8%A8%D9%88%D8%B9%D8%AC%D9%8A%D9%84%D8%A9.jpg?fit=572%2C300&ssl=1)