إنقسم الناس حيال تركيا بين التوابع الثقافية الغرباوية عويلاً من اردوغان المستبد (بينما ينزل على قلوبهم السيسي كالعسل)، وبين مجاذيب إيران لمزاً خفياً بمصير صدام حسين، وبين أنصار اردوغان تهليلاً لفارسهم المتخيل.
والحقيقة أن جرأة اردوغان حيال أوروبا ليس مردها نزعته السلطوية ولا تهوره كما يحلو للبعض أن يقول جهلاً أو غرضاً ولا بطولته وشهامته كما يحلو لأنصاره أن يظنوا.
الحقيقة أن تركيا تقف إلى جانبها الجغرافيا وتواتي أشرعتها جيداً رياح السياق الجيوستراتيجي في مواجهة القارة العجوز. فالدولة الفتية ذات الثمانين مليون مواطن تقف في خاصرة أوروبا مستحوذة على منفذها الأوراسيوي وعلى بوابتها الجغرافية على الجحيم الشرق أوسطي.
من جهة ثانية، فإن وجود تركيا، العضو الوازن في حلف الناتو، على مشارف الشرق الأوسط يسمح لها واقعياً بهامش كبير من التحرك والتعامل مع جميع الأطراف المتنازعة بما فيها خصومها المفترضين (أو أعداء حلفائها)، وهو ما لا يتاح بالضرورة لغيرها من الحلفاء.
وهذا ما يشكل عملياً نقطتي ضغط قويتين في يد تركيا:
أولاهما ورقة اللاجئين، إذ أن الإتحاد الأوروبي يرعبه فتح الباب لتدفق المزيد من اللاجئين نحوه.
وثانيهما ورقة التقارب مع روسيا. ذلك أن حلف الناتو المتصدع جراء صعود التيارات القومية اليمينية، وصعود ترامب للحكم تمثل له روسيا صداعاً مزمناً في حدوده الشرقية. ويمكن لهذا الصداع أن يتحول إلى كارثة إستراتيجية فيما لو فكرت تركيا في الخروج من الناتو.