الحبيب بوعجيلة
أوكي.. تنجم تكون لعبة تفرج
تعيين برهان بسيس مسؤولا عن الملف السياسي وتكليف خالد شوكات بالدراسات الاستراتيجية يمكن أن يكون أهم انجازات نداء الباجي اذا كان الأمر يتعلق بخطة جدية لبناء الكادر والخطاب بعد سنوات قضاها “هذا الكارتيل” السياسي الغريب يشتغل بآلية التحيل والاستثمار في خطاب الضد والاستفادة من هواجس الفاسدين والمتوجسين ايديولوجيا ومن نزوات الانتهازيين والوصوليين واستثمار الاعلام الفاسد ومؤسسات الدولة والاستثمار في الدم واحباط الناس من صعوبات الانتقال وهي آلية قد تنجح في الهدم والتخريب وتزييف ارادة الناخبين مرة واحدة ولكنها لا تنطلي على الناس الى الأبد ولا تضمن النجاح في الحكم أو الصمود في وضع سياسي يرتفع فيه وعي الشعب بالتدريج وتتصدع فيه صفوف القديم ويشتد فيه احتراب اللوبيات.
برهان بسيس وخالد شوكات من جيل سياسي وسيط لا هو بالشباب الوافد على الساحة بعد مطر الثورة ولا هو بالقديم العجوز النائم في فواته التاريخي. هما سليلا جيلنا الثمانيني وأواخره. عاشا الانتظام السياسي حين كانت السياسة انتاجا للفكرة وانبناء عليها قبل أن تصبح بعد الثورة صناعة تنتجها الأموال والمؤامرات والفراغ المعرفي.
ليس من المهم تقييم مسار الرجلين في كيفية استثمار هذا الانتماء الى جيل “السياسة العالمة” فتلك مسألة نسبية ولكن المهم أنك في مواجهتهما ومعهما تكون على الاقل في حضرة “حملة افكار” لا مجرد “صانعات عصبان” أو “لاعبي سكايب” أو مجرد “بلطجية” و”مخبرين” دخلوا السياسة من باب ملء الفراغات.
“نداء تونس” الذي نشأ وكبر وتشظى وتجمع وتفرق وربح وخسر وانتصر وانكسر بحيلة لا بمشروع يظل رغم كل شيء مشروعا مطلوبا لتلبية فكرة غائمة تفيد الحاجة الى “حزب النظام-الدولة ما بعد الكولونيالية (دولة الاستقلال الدستوبورقيبية)” وهي طرف لن يستمر كما كان طبعا ولكنه طرف ضروري تقتضيه كل تجارب الانتقال المحكومة بمكر التاريخ وحتمياته بما هو تاريخ يحكمه قانون اعادة الصهر كما صاغه “باشلار” ذات يوم كمفهوم فسر به تاريخ العلم أو فلنقل بما هو تاريخ يحكمه قانون التأليف كما عرفته الجدلية الهيغلية من حيث هو تأليف القديم المنصاع الى اكراهات الجديد والجديد المضطر الى استصحاب القديم المتحول ومجادلته ليظهر اقتدار جديده.
يدرك “المخططون” للنداء أنه لن يكون حزب “القديم المتحول” الحائز على شرعية “الدولة التاريخية” بكمشة الانتهازيين الفارغين الذين جمعهم في فترة “المواجهة” مع الترويكا والثورة بل انه يحتاج الآن الى الكادر السياسي والفكري القادر على جدل الجديد وبركان مخاضه الصاخب وظني أن برهان وخالد قد يفيدان بشكل كبير في “لعبة السياسة” التي تخرج الآن من “هرج الغزوات والسقيفة والفتوحات” الى “دهاء الملاعبة على الدولة في هدوء معاوية ونسيم دمشق وغرف الامويين” مع خصوم لا يقلون ذكاء حتى لو بانت عليهم “كربلائية الحسين”.
يبقى السؤال هل ينجح “الثعلبان” خالد وبرهان في مراقصة أفاعيهم وسط حزب يملك مفاتيحه ضباع ودببة وفيلة غير معنيين بالرقص..؟