الوجه الآخر للمدن التي زرتها (1)
من باريس إلى أمستردام
باريس (فرنسا)
وأنت تدخلها لست في حاجة إلى أن تتكلم بلغة موليير فباريس تتكلم عربي ولا تنتظر أن يستقبلك صوت إيديث بياف -rien de rien- ففي كل مكان هناك عربي وخصوصا شمال إفريقي يكلمك بلهجة مشتركة قريبة جدا للهجة شمال شرق الجزائر، تعترضك مباني محافظة على طابعها المعماري الفرنسي مشيدة أغلبها منذ القرن الماضي مثلها مثل برج إيفل الشهير 1882، ما يشدك هو الكم الهائل من الحديد المستعمل في البناء وزخرفة الشرفات فتتسائل كيف تحصلت فرنسا على هذا الحديد في فترة قصيرة من إحتلالها لدول هي منتجة للحديد، ستشعر وأنت تلمسه إلى جانب برودته أنك تمسك بثروة منهوبة من بلدك، لعله حديد الجريصة أو الجزائر أو كليهما.
في باريس يعترضك متسولون يحملون لافتات تدل على كونهم لاجئين سوريين هم في الحقيقة ليسوا كذلك بمجرد أن تحاول الحديث معهم تكتشف أنهم ليسوا عربا وأغلبهم من دول شرق أروبا يستغلون تعاطف الناس بالإدعاء كونهم سوريون سلاحهم في ذلك لافتة خُطت بعربية ركيكة وحجاب للنساء.
من باريس ستكتشف أن فرنسا البلد الإستعماري لا يعدو أن يكون سوى مُستعمَر.
بروج (بلجيكا)
في طريقك لمدينة الجسور بروج لن تجد أي علامة حدودية بين البلدين سترى حقول وغابات خضراء ومزارع تتخللها بناءات منظمة ومرتبة لا ساتر يحدها ستلاحظ أن المواشي ترعى دون راع ولا كلاب رعي تساءلت أين يضعون الفضلات؟؟
في المدينة سيحترمون ديانتك (بآعتماد المظهر والجنسية) بدءا من المطاعم سيوضحون لك مكونات الطعام على فرض أنك مسلم وسيقترحون عليك سمك السومون (السلمون) أو غلال البحر.
أمستردام (هولاندا)
خلافا لباريس أين يستعمل الفرنسيون قطارات الأنفاق للتنقل ترى الهولانديين يركبون الدراجات الهوائية بكثرة من العامل البسيط إلى الموظف السامي، قد تختلط عليك خطوط السير وأضواء الطريق وقد يصطدم بك دراجي في أي لحظة لأنك دخلت مجال مروره لن يعتذر لك لأنك المخطيء ولن يستعمل المنبه مثله مثل الترامواي لذا عليك أن تنتبه للعلامات الضوئية وإشارات منظمي الطريق.
منظموا الطريق ليسوا شرطة مرور هم متقاعدون من وظائف مختلفة متطوعون لخدمة بلادهم (سن التقاعد جد منخفضة في هولاندا) يعملون بجد فلا تراهم يغفلون عن عملهم طموحهم الوحيد الحصول على شهادة في الخدمة الوطنية تكون فخرا لهم فلا ترى أمنيين ولا عسكريين في الشوارع حتى قصر الملك لن تجد أمامه عناصر مدججة بالسلاح سترى فارسة جميلة تمتطي فرس الملك ذات الأصول العربية.
وأنت تجوب شوارع أمستردام إنتبه جيدا قد تأخذك قدماك إلى مقهى كُتب عليها ممنوع التدخين فتظن أنك نلت مكانا نقيا وتتفاجأ بوجود مدخنين تُزكم أنفك رائحة غريبة تنبعث من سجائرهم فلا تتعجب إنها مقهى لتدخين “المارخوانا” يُمنع فيها تدخين السجائر العادية.
تتساءل كيف لهولاندا التي ترخص تدخين المخدرات في شوارعها أن تحضى بترتيب أدنى بكثير في استهلاك المخدرات من دول تصل العقوبة فيها إلى الإعدام مثل إيران ومدى الحياة كالمملكة العربية السعودية التي تتصدر أعلى النسب العالمية في الإستهلاك ؟؟ بما يجعلك تفكر في مراجعة السياسة الردعية للعقاب (فكل ممنوع مرغوب).
لاهاي (هولاندا) مدينة المُفارقات
مثلما تستغرب وأنت تقف على حافة البحر الشمالي إرتفاع الشاطيء على مستوى المدينة بأمتار تشعرك أن البحر سوف يُهاجمك في أي لحظة تستغرب أكثر وجود مقر محكمة العدل الدولية على مقربة من سفارة الكيان الصهيوني فتتساءل عن حقوق الشعوب المضطهدة دوليا وعلى رأسهم الشعب الفلسطيني ؟؟ أيُّ عدل هذا لدول لا تحترم الإنسانية ؟؟ وما فائدة المحكمة ما لم يُنصف الفلسطينيون؟؟
في لاهاي تكتشف أن الإئتلاف الحاكم (3 أحزاب – ترويكا) يتصدره حزب ديني مسيحي بنسبة 65 % +1، لكل حزب مقهاه الخاصة وكل منخرط يحمل ربطة عُنق بعلامة أو لون مميز كأن يحمل منظويي حزب البيئة ربطة عنق خضراء، فالكل يعرف لون الكل السياسي والكل يحترم الكل.