طلبة وخرّيجي كليات الحقوق من حقّهم الإضراب ضدّ القانون الجديد لمناظرة القضاء.. والسلطة ستذعن لهم في النهاية..!!
فعلا يحقّ لطلبة كليّات الحقوق والقانون أن يغضبوا وأن يضربوا ويحتجّوا..
فمرّة أخرى ترمي السلطة والحكومة عرض الحائط بأحلام وتطلعات المواطنين.. وتخرق العقل والمنطق.. وتهضم الحقوق المكتسبة.. وتجانب “الذوق السليم”.. وتتصرّف بعلويّة وأحاديّة دون استشارة أيّ طرف وكأنّها لا تزال تعيش في عهد بن علي..!!
فقد تم فجأةّ إصدار أمر جديد ينقّح نظام الدراسات والامتحانات والنظام الداخلي للمعهد الاعلى للقضاء.. ويضع شرطا جديدا بضرورة حصول المترشّح لمناظرة القضاء على شهادة الماجستير على الأقل.. أي بمستوى دراسي أعلى من السابق.
إنّ تطوير القضاء.. والترفيع في المستوى العلمي للمنتدبين الجدد لشغل سلطة القضاء هو أمر إيجابي ومطلوب في حدّ ذاته.. لكنّ اعتماد ذلك بصفة فجئيّة.. ودون سابق إعلام أو تنبيه أو تمهيد.. هو قرار اعتباطيّ وأمر سلبيّ يضرّ بالحقوق المكتسبة لخرّيحي وطلبة الحقوق والقانون الساعين لاجتياز مناظرة القضاء.. ويقضي على أحلامهم.. أو يأجّلها إلى سنوات إضافيّة في أحسن الحالات..!!
فهناك البعض كان بصدد التحضير فعلا لاجتياز المناظرة القادمة.. ولم تعد تفصله عنها إلاّ أسابيع أو أشهر.. وهناك البعض الآخر لا يزال يدرس في كليّة الحقوق ويحسب السنوات القليلة المتبقّية لتحقيق حلمه باجتياز المناظرة.. ثمّ فجأة يطلع قانون جديد هكذا بكلّ بساطة.. يشترط عليهم الحصول على شهادة علميّة أخرى إضافيّة تحتاج لسنوات أخرى كاملة..
هذا دون احتساب أنّ شهادة الماجستير المطلوبة هي مرحلة تعليم عالي إضافيّة ليست آليّة.. ولكنّها تفترض شروطا وتحتاج لموافقة الجامعة على قبول الطلبة فيها..
وللأسف فإنّ هذا القبول لا يعتمد بالضرورة على المستوى التعليمي للطالب الراغب في دراسة الماجستير.. وإنّما يخضع لظروف أخرى عديدة منها طاقة الاستيعاب المحدودة للكليّات بفعل نقص الإمكانيّات والأموال والفضاءات.. وخاصّة النقص الفادح في الإطار التدريسي بالمستويات الجامعيّة العليا.. وبالتالي فإنّ الطالب قد يحرم من الماجستير.. ويحرم تبعا لذلك من مهنة القضاء.. ليس بسبب تواضع مستواه الدراسي والمعرفي.. وإنّما بسبب نقص إمكانيات الجامعات ووزارة التعليم العالي والدولة..!!!
لذا.. فقد كان على وزارة العدل إن أرادت تغيير النظام الخاصّ بانتداب القضاة الجدد.. أن تستشير أوّلا أهل الخبرة والاختصاص.. مثل القضاة ممثّلين بهياكلهم مثل الجمعية والنقابة والمجلس الأعلى للقضاء.. وكذلك استشارة طلبة الحقوق أنفسهم وهناك مجالس واتحادات قانونيّة تمثّلهم..وأيضا وبالذات استشارة جامعات الحقوق والمجالس العلميّة فيها.. خاصّة وأنّها المختصّة في منح درجة الماجستير الجديدة المطلوبة لاجتياز مناظرة القضاء.. وذلك لدراسة الموضوع من جميع جوانبه..
لكنّ الارتجال وعقليّة الرأي الواحد لم تجعل وزارة العدل تلتفت إلي أيّ طرف..!!
علما وأنّ ردود الفعل الأولى على القانون الجديد تضمّت رفض بعض الجهات الفاعلة..
فبالإضافة إلى طلبة الحقوق الذين بدؤوا إضرابا فوريّا عن الدراسة اليوم..
فإنّ جمعيّة القضاة أعلنت رسميا عن رفضها للأمر..
وكذلك فعل المجلس العلمي لكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس التي تعدّ أعرق وأكبر جامعة للحقوق بالبلاد..
كما أنّ الأمر الجديد الصادر تحت عدد 345 لسنة 2017 المؤرّخ في 9 مارس 2017 احتوى على ثغرات وأخطاء قانونيّة عديدة.. لا مجال لذكرها الآن.. وهي غريبة.. بالنظر إلى أنّه صادر عن وزارة العدل في أمر يخصّ القضاة.. وذلك شأن آخر..!!!
الحلّ هو أن يقع اعتماد القانون الجديد لتنقيح الدرجة العلميّة اللاّزمة لاجتياز مناظرة القضاء على درجات وعبر مراحل.. وبعد عدّة سنوات..
بمعنى أن يكون التلميذ الذي نجح في الباكالوريا وتوجّه إلى كلية الحقوق ليصير قاضيا بعد سنوات معلومة.. وبشهادة علميّة معلومة.. عالما منذ البداية بأنّ القانون تغيّر.. وأنه يحتاج لشهادة جامعية أعلى ومسيرة أطول من سنوات الدراسة.. ليصبح قاضيا.. فإن شاء ذلك دخل لكليّة الحقوق.. وإن لم يشأ اتّجه لخيار آخر..
لا أن يفاجأ في الأثناء بتغيير المعطيات بحسب تغيّر مزاج السيد وزير العدل الذي صادف أن شغل المنصب في تاريخ معيّن..!!!
المشكل أنّه في السياسة فحتّى القرارات الجيّدة لا يجب تقديمها بطريقة سيّئة..!!
ومرّة أخرى (للأسف) أقول بأنّ الحكومات “غبيّة”.. فهي لا تعرف التاريخ.. ولا تتّعظ من الحكومات والتجارب السابقة..
ففي عهد بن عليّ حصلت أزمة مشابهة عندما وقع فجأة تغيير نظام الدخول لمهنة المحاماة.. وتمّ بعث معهد المحاماة لأوّل مرّة.. وتمّ تغيير نظام المناظرات للغرض بين ليلة وضحاها..
وأضرب حينها طلبة وخرّيجو كليات الحقوق والحاصلون على شهادة المرحلة الثالثة قي الحقوق.. ضدّ تلك التغييرات الفجئيّة.. التي كانت ستمسّ دون سابق اعلام بحقوقهم وفرصهم..
وقد أذعنت السلطة في الأخير لطلبهم.. وخضعت لاحتجاجاتهم.. وأجّلت تطبيق القانون الجديد للدخول لمهنة المحاماة.. ووضعت رزنامة تمتدّ لعدّة سنوات.. واعتمدت عدّة مراحل.. وذلك لتتيح الفرص للجميع للتدارك وللّحاق بالمحاماة حسب الشروط التي كانت مطبّقة عليهم وقت دراستهم السابقة.. وذلك قبل دخول النظام الجديد حيّز التطبيق…
فإذا ما أثمرت احتجاجات واضرابات طلبة وخرّيجي الحقوق في عهد بن علي نفسه.. فانتصارهم اليوم مضمون وأكيد طالما تمسّكوا برفضهم.. ولم يتراجعوا.. وطالبوا بحقّهم في عدم المساس بحقوقهم المكتسبة.. وأحلامهم المبرمجة..