لكل بلد صفاقسه

الحبيب حمام
صفاقس مدينة عُرفت بالجد في العمل وبالعطاء، رغم أن أهلها أصحاب نكتة وروح مرحة. في اعتقادي، هي التي أسقطت بن علي بدرجة أولى، ولا أظلم بقية المناطق. يوم 12 جانفي 2011 هو من صنع يوم 14 جانفي، وهو من أنطق بن علي بـ “غلطوني”. صفاقس صمدت أمام الاستعمار الفرنسي صمود الجبال الراسخات، وكانت آخر معقل سقط تحت نير الاستعمار الأهوج. صفاقس قامت برجالها ونسائها، دون أي دعم سياسي. صفاقس هي التي تنفق على غيرها بفائض عطائها. أيام بورڨيبة كانت ميزانيتها رقم 19 بينما هي ثاني أكبر مدينة، وولايات أخرى تعيش من عفو رزق الله لصفاقس (يسألونك ماذا ينفقون قل العفو).
أحد الشخصيات البارزة في صفاقس نادى بانفصالها عن بقية الجمهورية بعد 60 من التهميش البورڨيبي 1 ثم النوفمبري ثم البورڨيبي 2. في الواقع لم يقصد الانفصال، بل أراد أن يقرع أبواب مداركنا بعمق التهميش التي تعيشه المدينة. هناك في الجهة المقابلة من الكرة الأرضية، بعد خوض عرض المحيط الأطلسي ثم عرض الولايات المتحدة، على ساحل المحيط الهادي، نجد صفاقس الولايات المتحدة. إنها ولاية كاليفورنيا.
هناك دعوات أكثر قوة وصخبا لانفصال كاليفورنيا عن الولايات المتحدة. بعد الـ Brexitt، ظهر الـ Calexit. ولاية كاليفورنيا ولاية نشيطة معطاءة، تغدق على غيرها ولا تأخذ من غيرها. ولاية تصوّت للحزب الديموقراطي منذ 1992 (طوال 25 سنة). لولاها لما وصل الحزب الديموقراطي إلى الحكم (أوباما وقبله كلينتون) لأن لها 55 مقعدا من مجموع 538 مقعدا، أي في حدود الـ 11%، في مقابل 38 لتكساس، 29 لنيويورك و29 لفلوريدا. في الانتخابات الثلاثة الأخيرة جاوز الحزب الديموقراطي الـ 60%. تميزت كاليفورنيا بعطائها ورشدها السياسي، كما تميزت صفاقس في تونس، بارك الله فيها.
في الخلاصة يتمايز الأفراد، وتتمايز الجماعات والشعوب والقبائل والمدن والبلدان والناس. وخير التمايز بالتقوى. يقول تعالى “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”. كانت هذه تذكرة صباحية، وأسعد الله يومكم.