الحبيب بوعجيلة
لم أغضب قدر غضبي حين “سيطر” على الاتحاد في جوهر الاستقطاب الثنائي “متأدلجون” بلا تشبع بتاريخه الوطني الجامع ولكنني لم أيأس يوما من أنه لن يكون أخيرا إلا في صف تونس الجامعة. لذلك أغضب من كل من يسب “الاتحاد” بحضوري في بلاتو أو على جداري. يسب “شخوصا” لكنه يخلط بينهم والاتحاد لأنه لا يدرك سر الفرق.
يجب أن يكون بينك وبين هذه المنظمة خيط محفور في أعماق العاطفة والعقل حتى تفهم ما يعنيه بالنسبة الي الاتحاد العام التونسي للشغل كفكرة لا كأشخاص.
عندما تدخل مثلي عالم الشغل وأنت مُتخرج من الجامعة ومازال صراخ الثورية والمغامرة طريا في حلقك فتقتحم ساحة شغلك بنفس “الجنون العاطفي” دون أن تفرق بين أجواء الحركة الطلابية وأجواء الشغل لكنك ما دُمت قد ذهبت الى قطاع التعليم الثانوي فتصرف كما شئت “ورأس الاتحاد يسد”.
أذكر بطرافة أيامي الأولى في التدريس أواخر الثمانينات وقد بدأ بن علي يكشر عن أنيابه في وقت يعز فيه الشغل. تدور العريضة النقابية في قاعة الأساتذة فأكون أول الممضين تحت دهشة الناظر والزملاء. أما المسؤول النقابي فيفهم طبعا معاني هذا “الجنون” وفي يوم الاضراب يجس نبضي بلطف مسبقا العذر لي ان ارتبكت فأجيبه باندهاش: تتصورني نكسر الاضراب ؟ ليقول: لا لا لا أقصد. أسأل: سيكون هناك مشكل لأني متربص ؟ الاتحاد لا يعترف بنا ؟ يجيب بابتسامة الأخ الاكبر: لا أبدا ولا يهمك… أجيب: طبعا لا يهمني.
تسير الحياة منسابة بنفس الجنون.. لا نفرق بين أجواء الحركة الطلابية وأجواء الشغل: مغامرات وراء مغامرات. سياسة على نقابة مخلطة مجلطة و”راس الاتحاد يسد” ههه.
لكن من هو الاتحاد هذا الذي يحميك ومن العار ان لا يحميك ؟ من هو الاتحاد وأنت تسب “البيروقراطية” ان شئت في وسط قاعة الاتحاد الذي تقوده هذه “البيروقراطية” هههه ؟؟ من هو وأنت تتصارع مع هذا التيار وذاك وسط قاعة الاتحاد ثم تخرجون في نفس المسيرة والاضراب تهتفون باسم نفس الاتحاد؟؟… الأكيد أنه ليس شخصا ولا قيادات ولكنه شيء معنوي ميتافيزيقي يقف تحت ظله الجميع ولا يتعين في ذات حسية.
لهذا السبب يشعر من ترتسم في ذهنه هذه “الفكرة المتعالية” بحمية طبيعية غريزية تجعله مدافعا على هذه المنظمة لأنها “متاع الجميع” لكن لا أحد يحتكرها حتى تكون متاعه ولا أحد يكرهها حتى لو بدت أحيانا أنها “متاع المنتصر في الهياكل”.
لم أشعر بمرارة مثل التي شعرتُ بها ذات يوم في خضم استقطابات “ترويكا” و”روز بالفاكية” وأنا أرى “كمشة بلطجية” لم أعرفهم يوما. أرسلهم لي جبناء وهم يصرخون في وجهي في بهو الاتحاد الجهوي: “أنت سبيت الاتحاد.. أش جايبك أنت متاع الترويكا.
أجبتُ: أسب الاتحاد ؟؟؟ أنتم حمقى.. أنتم خلطتم بين سبي لكم وسب الاتحاد. الاتحاد شيء آخر. في بهو الاتحاد اذن سأسبكم أنتم يا أبناء ال…”.
ظننتُ أني في أجواء ما قبل الثورة وطبعا لم يكن من الصعب بجسدي النحيل أن أجد نفسي خارج الدار دون أن أشعر ودون ضرر جسدي طبعا.. تمنقيلة صنايعية ههه.
نحب الاتحاد ويجب أن نحبه دائما.
لماذا نحب الإتحاد ؟؟

الحبيب بوعجيلة