لن أتحدث مع ابني بغير العربية!
سيدي تقي الله الشريف
الحمد لله وحده،
حين أخرجت لي الممرضة ولدي إسماعيل من غرفة العمليات حيث ولدته أمه بعد ليلة طويلة انتهت بعملية قيصرية، أخذتُه وقبّلته وأذنت في أذنه ثم أعطيته لجده وجدته لأمه وخرجت من باب المستشفى باحثا عن أقرب مكان أسجد فيه سجدة شكر لله وأعاهده… أعاهده بما أنعم علي ووهبني هذا الصبي ألا أخاطبه إلا باللغة العربية.
لطالما أصابتني الحيرة وأنا أرى عربيا متزوجا بعربية يخاطبون أبناءهم بلغة البلد الذي هاجروا إليه بدل العربية، وكنت دائما أقول لمن يسعني فتح هذا الموضوع معه منهم: يا أخي ابنك سيتعلم لغة هذه البلاد شئت أم أبيت، سيتعلمها في المدرسة وفي الشارع ومن التلفاز ومن كل ما يحيط به، فعلى الأقل دع له فسحة يتعلم فيها العربية، إذا كان لا يسمع اللغة العربية خارج البيت وإذا جاء إلى بيته لم يسمعها من أبويه فمتى سيتعلمها؟ كنت أشعر بالمرارة وأنا أسمعهم يخاطبون أولادهم بلغة غير العربية، وأقول يوما ما سوف تندم، أنت لا تعرف حجم الجريمة التي ترتكبها في حق ولدك.
وقد حدث، حدث أن رأيت من يقول والألم يعتصر قلبه “إبني لا يعرف اللغة العربية” “إبني أنا العربي ينطق كما ينطق الأعاجم” “إبني لا يقيم حروف فاتحة الكتاب” .. فما كان أغناك عن هذا يا أخي، وما كان أيسر وأهون عليك من تعليمه العربية، فلم تكن مطالبا ببذل أي مجهود إضافي لتحقيق ذلك، فقط تحدث إلى زوجتك وإليه بالعربية وكفى.
هذا في حالة الأبوين العربيين، فإن كان أحدهما غير عربي -وهي حالتي بالمناسبة- تصعب المسألة قليلا، ولكنها لا تخرج عن إطار الممكن، ولا يُطلب في هذه الحالة أكثر مما يطلب في السابقة : “خاطب ابنك بالعربية”… فقط… هذا هو كل المطلوب منك.
إسماعيل يبلغ اليوم من العمر -بحمد الله وكرمه- سنتين ونصف، أي نعم معجمه قليل الكلمات ?، ولكنه يعلم جيدا أنني أغضب حين يخطئ ويكلمني بالاسبانية، لذلك تجده حين ينتهي مقطع الكارتون الذي يشاهده على اليوتيوب ويريد مشاهدته مرة أخرى تجده يحمل جهاز الريموت ويأتي به قائلا لأمه “ماش” (يقصد más أي المزيد باللغة الإسبانية) فإذا انشغلت عنه أمه يأتيني أنا بالجهاز ويقول “امّلّي” (بالحسانية) ? … وإذا كنا على مائدة الطعام وأرادد أن نشركه فيما نأكل تجده يقول لي “اشوي” (اعطيني اشوي) ثم يلتفت مباشرة إلى أمه أو جدّته ويقول لها “اون بوكو un poco”… فصار يميز بين من يخاطبهم بالعربية ومن يخاطبهم بالاسبانية.
ومن المواقف الطريفة في هذا السياق أنني قلت له منذ أيام “اقفل الباب” (باب الغرفة) وكانت أمه تضع رجلها دون قصد مانعة حركة الباب وهي طبعا لم تفهم ما قلت له، فلما حاول جاهدا غلقه ولم يستطع خاطبها قائلا “بابا بويرتا” (يعني puerta) كأنه يترجم لها كلامي ويقول “أبي يريدني أن أغلق الباب” ???.
وأطرف من هذا أن هناك كرتون يحب هو مشاهدته إسمه “بوكويو pocoyo” وهو متوفر على اليوتيوب بالعربية وبالإسبانية، ولكن نطق هذه الكلمة يختلف بين اللغتين فالإسبان يمدون آخره وينطقونه “بوكويووو”، فصار هو إذا أراد مشاهدة النسخة الإسبانية ينطقه بالمد كما يفعل أخواله وإن أراده بالعربية اقتصر على ضم الياء دون مد طويل، فتعرف أمه أيهما يريد.
مواقف كثيرة طريفة ومضحكة تحدث بسبب ثنائية اللغة هذه، ولكن أحمد الله أن أعانني على حفظ عهده والإلتزام به.
أخيرا أقول لإخواني المقيمين في بلاد غير عربية: اتقوا الله في أولادكم، ولا تتعذروا بالظروف والإنشغالات، فلو كان لأحد أن يضع المبررات والأعذار لكنت أنا وأمثالي فنقول “الأم غير عربية وأنا خارج البيت معظم الوقت وليس باليد حيلة” ولكن هذا كلام غير مقبول بالمرة، وإن قبلناه من الذين تزوجوا أعجميات فما بال الأم العربية تكلم ولدها بالفرنسية أو الإنجليزية في بيتها؟
يا إخواني الله الله في بنيكم، لا تتركوا ألسنتهم للعجمة تحول بينهم وبين تعلم كتاب الله، إن الله سائلكم عنهم غدا، واعلموا أن مصيبتكم -إن لم تعلموهم العربية- أعظم مما تشكون منه من انعدام التواصل بينهم وبين أرحامهم حين تزورون بلادكم في العطل والأجازات… مصيبتكم -ومصيبتهم- أعظم مما تتخيلون… مصيبتهم في دينهم.
والله الهادي