أيها الكبار الغامضون مازلنا صغارا نحب الوضوح
عندما كنا صغارا في المعهد والجامعة دخلنا السياسة من بوابة الايديولوجيا والتنظيم والانضباط. وفهمنا الامر باعتباره وعيا والتزاما وفلسفة في الحياة. ووثقنا في الرفاق والقيادة والقدماء. ودافعنا بلا هوادة باجسادنا وعقولنا وحناجرنا عن جماهير شعبنا المفقر. وامنا ان الدرب طويل واننا اخترنا القضية والوطن حبا وطواعية وسرا وعلانية واننا في مقام الفداء والتضحية حتى انتهى بنا الامر ليلة 8 جانفي 2011 في ضيافة امن الدولة تحت ارض الداخلية متهمين قبل التحقيق بأننا الملثمون اياهم واننا المتآمرون. واعتقدنا خلال حصص الموت البطيء اننا نعبد طريق الحرية واننا حبوب سنبلة تموت تملأ الوادي سنابل.
عندما انخلعت أبواب السياسة بعد 14 جانفي كانت فرحتنا عارمة. سوف نمضي الى جبهة وطنية ديمقراطية ثورية والى حكومة ثورية موقتة تواصل تفكيك منظومة الديكتاتورية وتدعو لانتخابات جمعية تأسيسية تغير الدستور وترسي بنيان الدولة الديمقراطية المدنية وتقلب منوال التنمية وتعلن مشروع النهضة والتحرر وتستنفر الشعب في مسيرته العظيمة نحو الحرية والعدالة والكرامة.
منذ انطلاق “الانتقال الديمقراطي” مع هيئة الاستاذ بن عاشور وغموض كيفية تعيين أعضاء الهيئة خاصة عشرات المستقلين منهم الذين كانوا مستقيلين تماماً قبل الثورة ونصفهم كان يدخل البلاد بجواز سفر اجنبي وغموض الجهة التي عوضت الغنوشي بالباجي واستجلبت النابلي مديرا للبنك المركزي وانطلاق “المسار الديمقراطي” دون فك الغاز القناصة وتعويم العفو العام بتسريح مجموعة سليمان وحرق السجون وتورط وسائل اعلام في بث الرعب والإشاعة. منذ هذه الانطلاقة وعناصر الردة حاضرة وسط حالة المد الشعبي غير المسبوق. كان واضحا اننا ماضون الى مسار لا نتحكم في شروطه والأبشع من ذلك ان المناضلين أحزابا ومنظمات قبلت قواعد اللعبة التي فرضها الشعب بالدم وتلاعبت بها أيادي الغموض والغامضين.
ست سنوات بعد 2011. ادخلوا الثورة حمام الأسلمة ولعبت الامم لعبتها ونحن نتفرج في قادتنا تغريهم الاضواء والرتب والكراسي الآيلة للسقوط. اخرجوا الثورة من الأسلمة بعد تفتيتهم جمعنا من بغداد الى نواكشوط على قاعدة ثقافية وهوياتية وطائفية بعد ان كانت قضيتنا عدالة وتنمية وتشغيلا لا ميز فيها بين ابيض او اسود او بين شيعي او سني.
اليوم. مازالت الدولة غنايمية جوهرها سلطة تحكمنا منذ عقود وجرثومتها اهل حل وعقد من كبار الملاك وكبار التبّع. مازلنا خارج انتقالكم من الانتخابات وحرية الاعلام حتى نوبل والمجتمع المدني والتوافق. ايها الكاذبون الكبار نحن صادقون صغار. توافقون على الغموض صاغرين ونقبل على الوضوح مرفوعي الراس.
والمسيرة تستمر..