قانون الزّطلة أو السجن
عبد اللطيف علوي
في خضمّ الجدل الدّائر حول المشروع الجديد لقانون الزّطلة، دعوة إلى التّوقّف قليلا والتّفكير بعقليّة إنسان مُتَكيِّفْ، موش إنسان مِتْكَيِّفْ…
قوانين الرّدع تكون حلاّ أو جزءا من الحلّ، في الظّواهر الفرديّة الخارجة عن قانون الجماعة، يعني عندما تكون تلك السّلوكات هي هامشيّة وعارضة وليست هي القاعدة، يعني بلغة أخرى حين تكون هي السّلوك الشّاذّ المرفوض من المجتمع ويريد محاربته، وليست السّلوك الشّائع الّذي يتبنّاه المجتمع ويعيش عليه…
ما يحدث اليوم في المجتمع التونسيّ، وربّما في العالم أجمع أمر شديد التّعقيد ويعبّر عن انقلاب كامل للمعادلة في موضوع الزّطلة… إذ أصبحت ظاهرة شائعة ومنتشرة انتشارا واسعا في المجتمع تكاد تقارب ظاهرة التّدخين العاديّ…
هنا لا بدّ من طرح الأسئلة الشّجاعة، الاكتفاء بالمواقف الأخلاقيّة السهلة لن يساهم أبدا في فهم المشكلة وطرح الحلول لمعالجتها…
السّؤال الأوّل: هل مازال السّجن في هذه الحالة يحقّق كلّيّا أو جزئيّا الهدف من العقاب، وهو مقاومة الظّاهرة أو الحدّ من انتشارها؟… الجواب هو قطعا: لا… لأنّ الزّطلة موجودة في السّجن وفي المدرسة وفي الإدارة وفي المعهد والجامعة والمقهى وفي كلّ مكان…
السّؤال الثّاني: هل الإنسان الّذي سوف يخرج من السّجن بعد قضاء العقوبة، أكثر استقامة وصلاحا ممّا كان عند الدّخول؟؟… الجواب قطعا لا… فالسّجن في العالم الثالث هو أكبر ماكينة مفرّخة للمجرمين والشّواذّ والمختلّين على كلّ المستويات.
السّؤال الثّالث: هل عدد الشّبّان والقصّر الّذين يحاكمون كلّ يوم بقانون الزطلة ويقذفون في السّجون عدد محدود يستطيع المجتمع فيما بعد أن يتعامل معه ويجد الطّرق المناسبة لإدماجهم من جديد؟… الجواب قطعا لا… عشرات الآلاف من الأحداث والشّباب يبتلعهم ذلك الثقب الأسود كلّ عام ثمّ يخرجون للضياع والبطالة والتسكع والإرهاب وإعادة خلق شبكات أكبر للجريمة…
ما الحلّ إذن؟؟
لا بدّ من منظومة تفكير كاملة في هذه المأساة، والابتعاد عن الحلول السّهلة التّقليدية، التي نرى جليّا على الأرض تأثيرها العكسيّ… الّذين يتباكون على قانون الزطلة القديم، فكّروا قليلا، لو كان فيه خير لما وصلنا إلى هذا الوضع.
أنا لست كافونيّا… لكنني مع حذف عقوبة السجن عن كل من يثبت استهلاكه للزطلة للمرة الأولى… وتعويضها بشيء آخر يقع التفكير فيه…
المجتمعات المتخلّفة هي الّتي تعجز عن إيجاد الحلول العلميّة لمشاكلها الاجتماعيّة والسّياسيّة، فتملأ السّجون ظنّا منها أنّ ذلك سوف يحلّ مشاكلها بأقصر الطّرق…