موقع “صراحة”

مولدي بن علية
في مجتمعات العولمة التي تفككت وتلاشت فيها الروابط الاجتماعية الانسانية وأصبحت فيها معايير تقييم هته الروابط بنفس معايير تقييم الموضوعات الاستهلاكية، تحولت طبيعة العلاقات بين الأفراد داخل الجماعات البشرية إلى مجرد علاقات وظيفية وهو الذي أتاح الفرصة بالتوازي إلى وسائل التواصل الافتراضي التي سهلت بدورها هذه العملية كحل لتذليل صعوبة التواصل التي قد تستغرق وقت زمني أطول يمكن استغلاله في أشياء أخرى ترجع لهم بالنفع، حتى أصبح الناس لا يلتجؤوا إلى التواصل بشكل مباشر إلا عند الضرورة التي تعكس بدورها الدوافع البراجماتية الذاتية مهما كان انعكاس ذلك على الطرف الآخر، بالتالي افقدت هذه الوسائل القيمة الإنسانية تجاه الآخرين وحولته إنسان منسلخ عن إنسانيته.
من الطبيعي جدا أن يفكر هذا العقل الافتراضي في ملئ فراغات تركتها هته المساحات الشاسعة والتي فرضتها هذه الحالة من التفكك والتشرذم والانكفاء على الذات بفعل الإغراق في النزوع إلى “الفردانية” التي تعتبر أحد المفاهيم الأساسية التي تقوم عليها اللبرالية والتي أوصلت هذا الإنسان إلى هذه الحالة من الإغتراب الكلي مع نشأة العولمة، هذا الاغتراب الذي أصاب الإنسان هو بدوره جعله عاجزا عن التغلب والتصدي لتناقضات مجتمعه الا على المستوى الفردي عبر ما تسوقه وسائل العولمة من أمثلة ونماذج التي من خلالها يتم التسويق والترويج لثقافة الاستهلاك. بدل أن يتم معالجتها من خلال الحلول الملائمة لبيئته الثقافية/الإجتماعية التي يقدمها له محيطه الاجتماعي،
ترسيخ ثقافة الاستهلاك التي جاءت بها العولمة ومحاولتها المستديمة لإلغاء الذاكرة الثقافية بحكم أن الذاكرة تمثل عائق أساسي لـ “سلعنة” السلوك الإجتماعي هو من ساهم بشكل اساسي في إنتاج كيانات ذاتية غير قادرة على ادراك العملية الاجتماعية والسياسية والتاريخية في سياقها الكلي الشامل والتي يقتضي من خلال هذه العملية التاريخية أن تعي الذات الانسانية مكانتها في هذا السياق ودورها الفعلي في التغيير.
يقول سبينوزا في كتابه “علم الأخلاق”: إن معرفة النفس لذاتها لا تكون إلا من خلال ما تدركه من أفكار تأثرات الجسم بالعالم الخارجي “فمن خلال تفاعل الانسان بالمعطى الخارجي يتمكن الانسان من معرفة كنهه، مادمنا نتحدث عن المبدأ الأخلاقي الذي يوجد في الطبيعة الإنسانية، والمقصود طبعا بالطبيعة الإنسانية هنا هي مجموعة الخصائص الجوهرية الضرورية لوجود الإنسان.
فما يبديه “الآخر” إذا من إعترافات مباشرة لما يراه من سلوكاتنا هو محدد أساسي لمفهوم الصداقة خاصة في مفهومها الفلسفي لدى الفلاسفة القدامة من ضمنهم أفلاطون وكذلك ارسطو في كتاب “الاخلاق” وصولا إلى اسحاق ابن مسكويه في كتابه “تهذيب الأخلاق”، ففقدان المعنى الإجرائي لهذا المفهوم الفلسفي العميق في دلالاته، في أن يشاركك الصديق في كل شئ في شتى مراحل الحياة الإنسانية بحلوها ومرها (الصديق كما عرفه أرسطو في كتاب الأخلاق هو “الأنا الآخر” يعني الصديق هو مرآة تعكس حقيقة ذواتنا وتعكس الصداقة حقيقة انسجاما مع الآخر جزء لا يتجزأ من الإنسانية) هو ما جعل من موقع “صراحة” يبلغ هذا الحجم الكبير من التسجيل فيها، ويصل إلى مثل هذا الحد بـ “2.7” مليون زائر، بالإضافة لما أخذه هذا الموقع من مكانة واضحة في سلم اهتمامات أغلب متصفحي الفايسبوك في الآونة الأخيرة.

Exit mobile version