نحن كونيون لا “متأوربون “.. بالمعرفة لا بالتعصب..
الحبيب بوعجيلة
من أجل “استغراب” عربي في مواجهة “الاستشراق الاستعماري”
(أنظر أيضا دراستي موضوع التدوينة في الرابط أدناه تحت التدوينة)
ليس من الجميل التباهي المعرفي أو التفاخر بتجميع الألقاب العلمية فنحن نقول أن المفكر الحقيقي هو من يكون تلميذا جيدا “لأساتذته” و”مراجعه” فيتجاوزهم بالقراءة والقدرة على التأليف بين الافكار عوض ان يكون مجرد ببغاء ناسخ وهو في الحقيقة موقفنا من بعض رموز “الأكاديميا التونسية الرثة” ما عدى من نُجل ونحترم. نحتاج علم استغراب كما سماه حسن حنفي يبرز حدود ونسبية الفكر الغربي.
في أوائل الالفين نشرتُ دراسة مطولة في موقع “الأوان” (اقرأ في الرابط) حول تيارات التنوير الأوروبي انطلاقا من ترجمة لملف نشرته مجلة “لوبوان” الفرنسية. كان أول مقال وآخر مقال في هذا الموقع حيث رفض بعدها “مختار الخلفاوي” نشر دراستي النقدية حول “مفهوم الهوية والمواطنة في سياق البورقيبية والنوفمبرية”.
اكتشفتُ أن هذا الموقع لا يقبل من “العلمانيين” الا دراسات معنية بتمجيد “المركز الاوروبي” رمز الحداثة مطلقا وجلد المدونة العربية الاسلامية رمز الرجعية كلها. انها “المخاتلة الفكرية” التي تنطلي على محدودي المعرفة ومن لا نافذة لهم على “الحقيقة” الا “مغالطات المركزية الاوروبية” وخُدامُها العرب.
كانت دراستي المنشورة اقتناصا لما قاله الغرب نفسه عن المنتوج الفكري “لأُمنا فرنسا” مثلا ومما جاء فيه: “والحقيقة أن ما بلغنا عن التنوير يؤكد لا محالة اختلاف الموقف الفرنسي (…) وقد بين “فيليب بوتجان” في دراسته عن الأنوار الألمانية أن أفكار الجرمانيين كانت أكثر اعتدالا واقل تهجما على الكنيسة… كان التنوير الألماني طافحا بالأمل العقلاني دون توتر. ورغم طابعه الكوني دون ادعاء فان صلابة التنوير الألماني لم تمنعه من أن يكون هادئا ومحليا وأهليا بامتياز”.
وحول ضيق الأفق الديمقراطي للتنويريين الفرنسيين كتبتُ في نفس المقال..”وفي هذا السياق أكد الأستاذ المميز “جان ماري جولمو” أن “ديدرو” لم يتورع عن مطالبة مدير مكتبة معروفة بوضع احد خصومه في السجن لنشره كتابا يتهم فيه “ديدرو” بالفساد المالي.
أما “فولتير” فقد كان صدره يضيق بالانتقادات الموجهة إليه وحين دخل في مماحكة فكرية مع المحافظ “ايلي فريرون” فقد اشتكاه إلى أصدقائه النافذين ويؤكد الأستاذ “جولمو” أن “فولتير” يحب المبارزة ولا يرضى الطعن.
وفي سياق نقدي يورد هذا المؤرخ إن التنويريين تسربوا إلى مواقع النفوذ منذ سنوات 1760 فدفع “فولتير” بكل من “دالمبير” و”كوندورسيه” إلى سكرتارية الأكاديميات. كما كانت حياة التنويريين الاجتماعية والاقتصادية مشوبة ببعض الشبهات.. وقد توترت علاقة التنويريين في هذه الفترة بمجموعة “الحثالة” وهي تسمية أطلقوها على كتاب متميزين كانوا يعانون ضنك العيش”…
“والحقيقة أن “ميشال دلون” قد حاول أن يجد لـ”فولتير” عذرا في معاداته للسامية ومهاجمته لليهود ثم للمسلمين في كتابه عن الرسول “محمد” وقد برر له ذلك بصعوبة نقد المسيحية وقتها في كل من “فرنسا” و”سويسرة” ولكن الألماني” سلوترديكش” سيكون أكثر جرأة في نقد المشروع التنويري إذ يستحضر في هذا السياق كلا من “ادورنو” و”هوركايمر” ممن اعتبرا أن عقل الأنوار تحول إلى عقل مهيمن على الطبيعة لينتهي إلى تدمير ذاته.”