تدوينات تونسية

حين وصلني خبر اغتياله شعرت بالخوف على تونس

نضال السالمي
في ذكرى آغتيال شكري بلعيد :
لا أنكر أنّي كنت أعتبره أسوأ سياسي على الإطلاق وهو حيّ.. وأذكر جيّدا أنه وقع تصنيفه من إحدى الجرائد أو إحدى عمليات سبر الآراء قبل وفاته بأيّام على أنّه السياسي الأقلّ شعبيّة في تونس..
أسوأ سياسي للحجم الهائل للحقد والعدوانيّة الّتي يحتويها خطابه السياسي..

لقد كان شجاعا.. نعم
لقد كان صريحا.. واضحا.. نعم
لكنّ خطابه السياسي كان خطاب تفرقة وطنيّة.. خطاب حرب.. خطاب حنين للإستئصال..
لماذا ننسى ذلك ونتنكّر له ؟؟ لماذا نخلع هالة من التّقديس على رجل لا يستحقّ كل ذلك.. ثمّ لا ننسى أنّ من جعل الكثيرين يقدّسون شكري بلعيد ليس وعيهم السياسي أو آهتمامهم العميق بخطابه السياسي فأغلبهم عرفوه بعد الثورة وهو أصلا لم يكن معروفا قبل الثورة إلا على مستوى ضيّق جدا.. بل من جعلوه قدّيسا هم بالأساس أعداء شكري بلعيد الطبقيّين : القروي متاع نسمة والفهري متاع التونسية.. إنّها كوميديا السياسة.. فلو قرّرت غرفة عمليات الثورة المضادّة أن تتجاهل موته البشع ولم تمرّر شيئا عنه -مثل ما حدث مع الشهيد الزواري- لكان الواقع مختلفا تماما اليوم.
حين وصلني الخبر شعرت بالخوف على تونس.. لم أشعر بأدنى نوع من التشفّي أو الشّماته والفرح لموته.. بل بالرّعب من المستقبل والأسى الشّديد أن ينتهي بنا الأمر في تونس أن يقتل بعضنا بعضا.
لقد تألّمت لأمرين فقط يوم جنازته : أن يقع إخراجه من دار الثقافة وليس من المسجد ككلّ المسلمين في العالم وفي التاريخ.. فقد حرمه الغوغاء من أنصاره من أن يدعو له المسلمين بالرحمة وأنا واثق تماما أنّه سيلعنهم ويقاضيهم أمام الله يوم يلتقي الناس أجمعين فيتحاكموا أمام محكمة العدل المطلق.. والأمر الثاني حضور النساء في الجنازة وعدم قراءة الفاتحة بل النشيد الوطني.. وقد مثّل ذلك صدمة حقيقية لكل المسلمين.
لم أشعر يوما بالحقد عليه أو معاداته لكن كان في داخلي غضب شديد من خطابه العدواني لقناعتي التامّة أن الشتيمة والحقد والتحريض ليست عناوين البناء بل هي مسارات الهدم والإنهيار.. وأصلا سواء مع شكري أو غيره ومن كل التيارات السياسية دون آستثناء : أتقزّز من كل الخطابات الصاخبة التي يكثر فيها التّهديد والشتائم والإدّعاءات الوطنية والغرور.. إلخ
بعد كلّ هذه السنوات.. أجد في نفسي الكثير من الحزن على الفقيد شكري بلعيد.. مات مغدورا قبل أن يشارك في ما تلا موته من أحداث.. لربّما غيّر الكثير من قناعاته.. من يدري؟
مات وحيدا لتنطلق بعده عملية متاجرة كبرى بدمائه.. تجارة لم يشهد لها الوطن مثيلا.. حتى أعدائه من نفس الدائرة اليسارية صاروا ممجّدين له.. وحده صديقه الحميم فوزي بن مراد كان صادقا يريد أن يعرف من قتل صاحبه بدون خلفيات سياسية ودون رغبات عارمة في توجيه القضية لتكون لحما على مائدة المؤامرات السياسية فآنتهى به الأمر هو الآخر ميّتا بأسلوب مشبوه وفي ظروف غامضة.
اللهمّ آغفر لشكري بلعيد.. وآجعل موته غدرا سببا لتكفير ذنوبه.
اللهم آرحمه رحمة واسعة فإنّ رحمتك لا يعظم أمامها ذنب ولا تقصير.
اللهم وآنزع من قلوب أنصاره جميعا ذاك الحقد الأسود المعشّش في صدورهم.. وعلّمهم المحبة والحكمة وخذ بأيديهم إلى الخير والهدى..
آآآآآمييييييييين.

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock