حزب الجهاد الدّيمقراطي
سامي براهم
كنت أحد الذين واكبوا تأسيس الحزب الديمقراطي التقدّمي بعد أنتقاله من حزب التجمّع الاشتراكي التقدمي إلى صيغته الجديدة القائمة على احتضان منتمين متعدّدي الرّوافد والتجارب والمرجعيات،
ومن طرائف هذا المؤتمر عند مناقشة تغيير الإسم أنّ أحد المؤتمرين من فرط استشعاره البعد الكفاحي للنّضال الدّيمقراطي زمن الدّكتاتوريّة اقترح اسم “حزب الجهاد الدّيمقراطي” وهو جهاد داخل الحزب لتكريس تقاليد العمل الديمقراطي المؤسساتي، وخارجه في فرض الحريات والديمقراطيّة وسيادة القانون في وجه الاستبداد،
وكان الحزب الديمقراطي التقدّمي وفيّا لانتظارات قواعده القدامي والمنتمين الجدد، بل وفيّا لانتظارات الكثير من السياسيين والمثقفين الذين انخرطوا في النضال السياسي والحقوقي،
كان الـ PDP البيت الكبير الذي يقصده شركاء النّضال ضدّ الاستبداد وكان نهج آف نوهال معبرا لفضاء الحريّة والتحدّي والتنوّع، كان مقرّ هذا الحزب الفضاء الوحيد الذي يجمع كلّ المناضلين من اليمين إلى اليسار، والفضاء الوحيد الذي لا يقصي من يقصده مهما كانت انتماءاته،
كان محاطا بالبوليس السياسي ليلا ونهارا، تسجّل أسماء الدّاخلين والخارجين، ويمنع الدّخول في فترات الاحتقان السياسي، كنّا ننتمي إليه عاطفيّا ونضاليّا دون أن نكون في هياكله أو منخرطين في جدالاته الحزبيّة الدّاخليّة، كنّا نحضر اجتماعاته العامّة وندواته نشارك في المسيرات تحت راياته ونحن نحمل لافتاته دون أن تستشعر حرجا أو نخشى الاتهام بالتحزّب والاصطفاف، لأنّ هذا الحزب كان ملجأً لمطاريد الدكتاتورية وكانت قيادته في متناول التواصل والحوار مع كلّ صاحب رأي، وكانت جريدته فضاء التعبير الحرّ المتاح للممنوعين من التعبير…
يمكن الحديث عن نوع من العلاقة العاطفيّة مع هذا الحزب الذي كان يمثّل مربّع الحريّة المفقودة في البلد، والمربّع الجامع للمناضلين المفترقين باختصار كان نقطة الضّوء في زمن العتمة.
اليوم يعقد هذا الحزب المعدَّل مؤتمره، لا أعرف الحزب الجمهوريّ عن قرب ولا أحبّ الخوض في ملابسات التحوّلات الذي عرفها الحزب الذي عرفته عن قرب وتحالفاته ومواقفه بعد الثّورة، لكن مع ذلك ومن باب الوفاء الخالص والاحترام والتقدير والاعتراف بالجميل أتقدّم بأصدق عبارات التّهنئة للباقي من الحزب الديمقراطي والسّائرين على نهجه في هذا المؤتمر،
ذلك الحزب ذاكرة وطنيّة يجب الحفاظ عليها وتوثيقها للتّاريخ الوطنيّ.