عبد اللطيف علوي
تخوين الطّبقة السياسية بالجملة، هو وصفة إبليس لقتل الدّيمقراطيّة في أيّ بلد…
قبل الثّورة كان الحكّام، من رئيس الدولة إلى أصغر رئيس شعبة يعتبرون من الآلهة المعصومة، لا ينطقون عن الهوى ولا يأتيهم الباطل من بين أيديهم أو من خلفهم…
اليوم يصوّرون كلّ الطبقة السياسية التي جاءت بها الثورة عبر الصناديق، كخونة وانتهازيّين وجهلة ومثمولين بكأس السّلطة حتّى الغيبوبة…
ثمّة معنى أكيد يريدون خلقه من خلال كلّ ذلك : أنّ الديمقراطيّة لن تأتيكم بمن يخدمكم، وأنّ الاستبداد لم يكن خطيئة كما تظنّون، وأنّ هؤلاء الّذين كانوا ينازعون بن علي إنّما كانوا ينازعونه لأجل مصالحهم الرّخيصة ليس إلاّ… ونسترجع بعد ذلك كلّ مقولات الاستبداد وتبييض الجرائم القديمة كلّها بوصفة واحدة…
أنا لا أخوّن أحدا، ما حدث في تونس منذ 2011 أثقل من أن تتحمّله الجبال، وحدهم من أمسكوا دفّة المركب أو كانوا حاضرين في الميدان وقاوموا العواصف والأعاصير يعرفون أنّ الأمور لم تكن دائما كما تبدو عبر شاشات الحواسيب… النّهضة لم تخن نفسها ولا قواعدها ولا بلدها، حاربت بيدين مقطوعتين ورجلين مغلولتين في فترة من أقسى فترات التاريخ العربيّ المعاصر، من لم يدرك حجم الزّلزال الّذي حدث في أوطاننا، بإمكانه أن يواصل رسم الثّنائيّات الجميلة عن الخير والشّرّ والأبيض والأسود، هناك أناس يعيشون خارج التّاريخ والواقع والممكن… اللّعبة السياسية يتصوّرونها مجرّد شبكة من الأشخاص والأهداف وليس عليك سوى أن تربط بينها بسهم كي ينتهي كلّ شيء…
كلّ السياسيين الفاعلين في الصّفّ الوطنيّ، اجتهدوا، بأقدار متفاوتة، منهم من نجح ومنهم ناور ومنهم من ارتكب أخطاء قاتلة ومنهم من وقع استعماله كحصان طروادة، لكنّهم جميعا أشرف من ألف ألف كلب من نوع بن علي وأذياله الكريهة…
الدّعوة إلى مقاطعة الانتخابات لا يمكن أن أفهمها إلاّ في هذا الاتّجاه… أنا أنزّه بعض أصحابها تنزيها كاملا عن السّعي الواعي في ذلك ولا أزايد عليهم في شيء، لكنّني أنبّههم إلى أنّها، سوف تنتهي موضوعيّا، بأن تصبّ خراجها في سلّة بن علي (الرّمز) وكلاب بن علي…
اتّخاذ الفصل السّادس كذريعة، أمر مضحك للغاية…
هذا يذكّرني بالكاهنة الّتي أحرقت بلدها كي لا يحرقه العرب…
كأنّك تحرق بيتك كي لا يطمع فيه اللّصوص…
المستقبل ملك لمن يعضّون على جراحهم ويزحفون إليه بعيون واثقة، وليس ملكا لمن يسيرون وهم يبكون على ما ضيّعوا في الطّريق إليه…
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.