فكّروا بقيم الثورة، ولا تفكّروا بقيم الاستبداد
عبد اللطيف علوي
مازال بعض النّاس يتحدّثون عن الأمنيّين والعسكريّين كأعداء للشّعب… حذار من الانزلاق إلى هذا المنطق الفاشيّ العنصريّ…
قبل الثورة كان هناك مجرمون من الأمنيين ومن القضاء ومن الإعلام ومن قوّادي الشّعب ومن المديرين ومن الموظّفين ومن التّاكسيست ومن النّقابيّين وغيرهم… وكلّ من شارك بأيّ شكل في تعذيب هذا الشّعب وتركيعه وتجويعه هو حتما مجرم ومدان بصفته وشخصه، لكن…
بعد الثّورة لا مجال للإدانة القطاعيّة بالجملة…
البوليس التّونسيّ يتحرّر معنا وبنا… وكلّ خطابات التّجريم والتّخوين ضدّه لن تدفعه إلاّ إلى مزيد من التّطرّف والانحياز إلى منظومة الاستبداد…
شيئا فشيئا سوف تتحرّر المؤسّسة الأمنيّة بمزيد توطينها (المواطنة)…
أمام تونس فرصة تاريخيّة لتوطين الجميع… بما فيهم العسكر والأمن…
فكّروا بقيم الثورة، ولا تفكّروا بقيم الاستبداد.
ليس هناك أسهل من المواقف العدميّة…
“مادامت القوّات الحاملة للسلاح ستشارك، إذن فأنا لن أشارك…”
طيّب… ما أسهل الحياة بهذا الشّكل… يكفي أن يدخل الحلزون رأسه داخل القوقعة، كي يتغيّر الطّقس تلقائيّا، وتمرّ الفصول دون أن تعكّر مزاجه…
هذه المواقف الحدّيّة الطّرفيّة، المواقف الّتي لا تقدر على التّعامل مع الواقع إلاّ إذا كان تماما تماما على ميزان ما كانت تتوقّعه وتتمنّاه… هذه المواقف تدلّ على أنّنا مازلنا رهائن لحالات الانفعال، خارج دائرة الفعل…
كان من المفروض أن ينادي الجميع بتعبئة انتخابيّة استثنائيّة لمواجهة المشكلة (إذا سلّمنا بطريقة تحليلهم للمشكلة)…
كان من المفروض أن يفهم النّاس أنّ مصيرهم بأيديهم، ليس بأيدي النّهضة أو غيرها… علّقوا على النّهضة كلّ أخطاء الأرض والسّماء، ولكن لا تبرّئوا أنفسكم وتتطهّروا بدمها في كلّ مرّة ثمّ تذهبوا للصّلاة فرحين…
النّهضة ليست ربّكم الأعلى، أنتم تصرّون على أن تنسبوا إليها كلّ ما يحدث من زلازل وبراكين وعواصف… لكنّها ليست سوى لاعب سياسيّ من جملة آلاف اللاّعبين…
قلتم إنّ النّهضة أسقطت قانون تحصين الثورة، لكنّكم لم تقولوا إنّكم أنتم من تخاذل وتغابى وتآمر وتثورج وترك التّجمّع يكتسح الصّناديق…
قلتم إنّ النّهضة مرّرت الفصل السادس… (رغم أنّ الجميع صوت لهذا القانون في حالة توافق كامل بين جميع القوى بيمينها ويسارها) حسنا… لقد كفرت النّهضة، وأنا أطالب بإقامة الحدّ السّياسيّ عليها… فما هو دوركم أنتم إذن؟؟
أنتم تستلذّون دور الرّضّع الدّائمين… لا تريدون أن تنفطموا أبدا من النّهضة… ترضعون أخطاءها وأعذارها وتاريخها ونضالاتها وخياناتها وقوّتها وضعفها…
سنصدّقكم يوم تفطمون أنفسكم من “بيبرو” النّهضة…
أنتم مجرّد رشّامة… ترشمون أخطاء هذا وذاك ثمّ تعودون إلى قواعدكم آمنين مطمئنّين، وعندما تغضبون تهزّون وتنفضون وتخبطون كالأطفال الصّغار… وتقاطعون الانتخابات…
من أوّل الأشياء التي تعلّمتها، أنّ تقصير الآخرين لا يبرّر تقصيرنا، وأنّ الإنسان مطالب بأن يقوم بواجبه تجاه وطنه، حتّى ولو تخلّى عنه القريب والغريب، وأنّ المكان الّذي تتركه فارغا سيملؤه الآخرون…
مبروك عليكم المقاطعة، بإمكانكم أن تتفرّغوا لكتابة مذكّراتكم في حرب المقاطعة وتحضّروا لوائح الاتّهام المقبلة للنّهضة، سيكون لديكم الوقت الطّويل لكثير من النّضال الفايسبوكيّ الجميل بعد سقوط القوى الوطنية في الانتخابات القادمة.