القضاء يسلخ سلخاً: بدأها يوسف الشاهد وختمها خالد عباس
شكري الجلاصي
إستقلال القضاء في معانيه العميقة يتجلى حتما نتيجة الفصل بين السلطات وسيادة القانون، وفي غيابه يصبح الحديث عن دولة سيادة القانون والمؤسسات نوعا من العبث.
فهو صمّام الأمان للعدل والحرية والمواطنة، وميزان الحرارة لتلك المبادئ والقيم في كل مجتمع، يتأثر بصفة مباشرة لما هو متوافر من درجة إستقلاليته عن التأثيرات الممارسة عليه من السلطة التنفيذية في ذلك بلد.
هو ضرورة حتمية كأبسط مقومات الحياة وليس ترفًا، لضمان حق المواطن في العدالة والكرامة وفي غيابه يفتقد المظلوم ثقته في من يلوذ به لإسترداد ما أنتهك من حقوقه ولردع من إعتدى عليه، وحينها يفتح المجال واسعا وعريضا للقوي أن يفترس الضعيف.
إعتقدنا أنه بإنتخاب المجلس الأعلى للقضاء منذ ثلاث أشهر قد خطونا خطوة لا بأس بها للمضي بهمة وعزم نحو تحقيق هاته الضرورة الحتمية والحياتية لحماية الحقوق والحريات وإستكمال بناء الدولة الديمقراطية كصدّ حصين أمام النوازع الإستبدادية.
ولكن يبدو أن السلطة التنفيذية الحاكمة لها رأي مخالف لذلك وإنتهجت ما يضرب في العمق شرطي الفصل بين السلطات وعلوية وسيادة القانون، وذلك بالمناورات والتعطيل المتعمَّد وعدم إحترام القانون برفضها العدواني إستكمال سدّ الشغور في تركيبة أعضاء المجلس الأعلى للقضاء المعيّنين بالصفة كما نصّ على ذلك الدستور والقانون الذي سنَّته السلطة التشريعية في الربيع الماضي.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل سمح ذلك التعطيل لفئة من الإنتهازيين والمتملّقين للقيام بممارسات يندى لها الجبين يراد من خلالها إبقاء وصاية السلطة على القضاء والحيلولة دون تمكينه من كل الإستقلالية لتحقيق التوازن بين السلطات وأداء مهامه على أحسن وجه، خاصة والبلد أمام إستحقاقات تاريخية ومفصلية في جميع الملفات.
وهاهو السيد خالد عباس أحد قضاة بن علي الذي كلّف في سنوات الجمر مع آخرون بمهمة الإنقلاب على جمعية القضاة التونسيين المناضلة، يعيد الكرَّة في محاولة للإنقلاب على مجلس القضاء العدلي عبر إنتحاله لصفة “رئيس” لنفس المجلس، منتهكا بذلك قرار المحكمة الإدارية للأسبوع الفارط، وإفتعال طابع بإسم المجلس الأعلى والعدلي به شعار الجمهورية، وإستعماله في وثيقة للدعوة لفتح باب الترشح لخطة الرئيس الأول لمحكمة التعقيب والحال وأنّ الأمر حصل منذ شهرين وأتخّذ فيه قرار عطّل تنفيذه رئيس الحكومة السيد يوسف الشاهد.