المنعرج الحاسم.. ثورة الشباب فاتحة الاستئناف

أبو يعرب المرزوقي
المقدمة
كانت ثورة الشباب قادحا لتحول تاريخي جعل الشعب يتولى أمره بنفسه. وهو تحول تقدمت عليه عدة محاولات لم تكن كافية لتحقيقه. ولعل أهمها التجربة الديموقراطية الأولى في الجزائر التي أجهضها العسكر والتآمر الدولي في تسعينات القرن الماضي وكذلك التجربة الفلسطينية في بداية القرن الحالي التي أفشلها الغرب وعملاؤه. لكن سوء التقدير السياسي للحركات الإسلامية كان له دور بسبب الخلط بين الاستراتيجي والتكتيكي في استعادة دور الأمة المرحلي. لذلك فكلتا التجربتين آلت إلى حرب أهلية مدمرة. والوضع الحالي يراد له أن يؤول إلى الفشل مثلهما. فتحقيق الانتقال السلمي لحياة سياسية حديثة هو المستهدف مباشرة لمنع الأمة من استعادة دورها الكوني.
الصراع بين حركة الاستئناف الإسلامي وأعدائها
وبمناسبة العيد السادس للثورة أريد أن أقدم شبه كشف حساب لما يجري سعيا لفهم علله القريبة والبعيدة. فرغم أن ثورة شباب الإقليم الناطق بالعربية في بداية العقد الثاني من هذا القرن لا تبدو ذات صلة بما حدث في الجزائر فآل إلى الحرب الأهلية بعد إلغاء الانتخابات وفي فلسطين وآل إلى الحرب الأهلية بعد إلغاء مفعول الانتخابات كذلك لعدم انتسابها الصريح للمعركة بين الأنظمة العسكرية ذات التوجه العلماني والحركة الإسلامية فإن طابع الصراع الحالي بعد الثورة سرعان ما بزر فيه طابع الصراع بين حركة الاستئناف الإسلامي وأعدائها. لكن الصراع أصبح هذه المرة مصحوبا بتقديم المسألة السياسية والاجتماعية (المطالب المباشرة) على المسألة الحضارية الروحية (المطالب غير المباشرة) فتبين أنه لم يكن استثناء بل كان من مراحل المسار الطويل لنهوض الأمة.
ذلك أن الحركة الإسلامية لم تعد مجرد حركة دفاعية عن الهوية بل أصبحت حركة إيجابية توائم بين التأصيل والتحديث وتجمع بين التحرير (من الاستتباع والاستضعاف) والتحرر (من الاستبداد والفساد) فاصطدمت الثورة بالإلغائين اللذين يمثلهما تحالف بين الدول الاستعمارية المسيطرة على النظام العالمي وعملائهم في الإقليم والمحل.
صحيح أن هذه النظرة الجديدة للحركات الإسلامية لم تكن شديدة الوضوح في المسألة الجزائرية فإنها كانته في المسألة الفلسطينية. ونفس هذا الإلغاء جرب في مصر وتجريبه ما يزال جاريا في تونس مع محاولات أبعد غورا (في سوريا وليبيا) للحيلولة دون الوصول إلى خسران المعركة الانتخابية بمساندة الأنظمة العميلة التي يراد الإبقاء عليها بدلا من الاضطرار إلى استعادتها بعد سقوطها كما حدث في مصر وتونس واليمن.
فبمجرد حصول المنعرج في تونس عم الإقليم وأصبح ظاهرة تتجلى فيها الخصائص العامة لوضعية دولية وإقليمية ومحلية معبرة عما يختمر في أعماق فاعليات التاريخ الإنساني كله أعماقه الدالة على فلسفته وعلى الرؤى الوجودية التي تتميز بها الحقبة الانتقالية في مصير المعمورة كلها. إننا نعيش منعرجا يختم المحاولة الأولى لتغييب المسلمين عن التاريخ الكوني انتهت بشروعنا في حرب التحرير (من الاستتباع والاستضعاف) ويفتح محاولة ثانية لتغييبهم لمنع شروعنا في حرب التحرر (من الاستبداد والفساد).
فصمود الأمة وإفشالها للمحاولة الأولى بحرب التحرير والشروع في النهوض هو الذي يفسر وحشية المحاولة الثانية التي تريد إفشال حرب التحرر أو الثورة التي استهانوا بها في البداية وشعروا بخطرها لما اكتشفوا أنها بعيدة الغور وذات صلة بمعركة الاستئناف الإسلامي فأسرعوا لمساعدة أدواتهم التي ظنوها كافية للقضاء عليها.
ويعسر أن يسلم القارئ بأن ما حدث في بلد صغير مثل تونس يمكن أن تكون له هذه الدلالة وكل هذه الأهمية. لكن الأمر في الحقيقة ليس إلا قادحا لنار متقدة تحت رماد الإقليم الذي يمثل قلب العالم. ولا يمكن فهم هذه العلاقة بين القادح التونسي والثورة التي عمت بلاد العرب من المحيط إلى الخليج من دون وصلها بما أعد لها على الأقل منذ قرنين أعني منذ نهاية السبات الشتوي في دار الإسلام وبداية الصراع مع انحطاط حضارتنا الذاتي الذي مكن الأعداء من تفتيتها واستعمارها بصورة أضافت إلى انحطاطها الذاتي انحطاط الحضارة الغربية الحديثة التي تنكرت لقيمها وتحولت إلى حركة فاشية مارستها باستعمارها المباشر ثم ورثتها لمن واصلوا سياستها باستعمار غير مباشر هدفه منع النهضة الإسلامية.
الفتنة الكبرى والفتنة الصغرى
وليس من الصدفة أن تكون الشرارة القادحة للثورة قد انطلقت من بلد عربي يبدو ابعد الأقطار لمثل هذا الدور -تونس- وأن يكون تركيز الثورة المضادة على بلد إسلامي يبدو قد صار أبعد أقطار الإسلام لمثل هذا الدور- تركيا.
لكن إذا وصلنا الأمر بدور المعولين اللذين يستعملهما الاستعمار الغربي للقضاء على سعي الأمة للنهوض أعني محاولة إسقاط عواصم الخلافة الأربع ومركزي الإسلام الروحيين القدس والحرم يصبح من اليسير فهم العلاقة الوطيدة بين ما يجري حاليا والفتنتين الكبرى (في صدر الإسلام: السنة والشيعة) والصغرى (حاليا: الإسلام والعلمانية):
فتونس وتركيا تمثلان البلدين العربي والإسلامي الذين عرفا الإغراق في الفتنة الصغرى أو المقابلة بين الإسلام والعلمانية.
وإيران وإسرائيل تمثلان البلدين المعاديين اللذين يمثلان معولي الغرب لإجهاض محاولة الأمة استئناف دورها من منطلق الفتنة الكبرى.
لذلك فثورة العرب اليوم تجد نفسها أمام عائقين يردان إلى الفتنتين وهي تتعين خاصة في ملتقي الخطين المتعامدين بين عواصم الخلافة الأربع: دمشق وبغداد (عاصمتي الخلافة الوسطيين) والمدينة وإستنبول (عاصمة البداية والغاية) أعني منطلقي الدعوة لبناء قوة ذاتية قادرة على المساهمة في تاريخ العالم الحالي. فإشكالية العلمانية أو الفتنة الصغرى (سلاح الغرب وإسرائيل) وإشكالية الدين أو الفتنة الكبرى (سلاح الغرب وإيران) تمثلان إشكاليتين حقيقيتين فضلا عن استعمال الأعداء لهما معولين في الحرب الحالية على النهضة الإسلامية. ولا يمكن الحسم من دون علاجهما العلاج الشافي. ولعلم الأعداء بهذا البعد الواصل بين مراحل تاريخ العالم والإقليم والمحل استعملوا الذراعين المعدين لهذه الوظيفة في استراتيجية دولية لم تبدأ اليوم بل منذ إنشاء إسرائيل وقبلهما منذ نشأة حركة الثأر المجوسية أي منذ سقوط إمبراطورية فارس:
الذراع الإسرائيلية وعملاؤها.
الذراع الإيرانية وعملاؤها.
وهذا الفصل الأول محاولة لفهم ما جري في دار الإسلام عامة وفي قلبها خاصة أي في أرض الناطقين بلغة القرآن منها فآل إلى ثورة الشباب التي تحررت من ضديدتها أو الصراع بين ممثلي الانحطاطيين الذاتي (أدعياء التأصيل أو الأحزاب الإسلامية ونخبها) والموروث عن الاستعمار (أدعياء التحديث أو الأحزاب العلمانية ونخبها).
وبخلاف ما كنا نـأمل فإن الأحزاب الإسلامية بينت التجربة أنها لا تمثل الاستئناف بحق إذ اكتشفنا أنها في الحقيقة مصابة بمرض خبيث هو النهم العجيب والمتعجل للوصل إلى الحكم لكأنهم يجهلون أن ذلك سيؤدي حتما إلى تكوين إمارات منفصلة لا يمكن أن تكون إلا محميات توابع بالجوهر وحكامها عملاء مثل الأنظمة الحالية. ولذلك فهي بسبب هذا الداء لا مختلفة عن الأحزاب العلمانية التي استسلمت لواقع التفتيت الحالي للأمة ولعلها من جنس الأحزاب الدينية التي كانت في صراع مع الأنظمة العربية العسكرية بنفس المنطق الذي يعيش في ظل الحماية البريطانية والفرنسية والأمريكية. إنها نسخة منهما بشكليها المتواليين الفاشي خلال الحرب الباردة ثم المتدثر بدعوى الديموقراطية الزائفة بعد سقوط جدار برلين.
وأكبر الأدلة أنها بدعوى البراغماتية والتكتيك انتهت إلى التحالف مع أفسد ما يوجد في الساحة السياسية -في تونس على الأقل وقبل ذلك في العراق وهي مستعدة لنفس السلوك في سوريا ومصر وليبيا- وتخلت نهائيا عما تدعيه من تمثيل لأهداف الثورة السياسية والاجتماعية التي لم تكن بالنسبة إليها إلا فرصة للوصول إلى الحكم بنفس المنطق السابق عليها فضلا عن المرجعية الإسلامية التي أصبح الجميع يتبرأ منها تقديما للقطرية على ما يتجاوزها لوحدة الأمة ولو بشكلها الكونفدرالي الذي هو أصل نظامها حتى في عز قوة الإمبراطورية الإسلامية بمقتضى حجم دار الإسلام.
وضعية الحضارة العربية والاسلامية دوليا واقليميا ومحليا
ومن أوهام أصحاب تقديم التكتيكي تصور الحكم هو السلطة السياسية ولا يدرون أنه في النهاية يحولهم إلى بيادق تستعملها المافيا الداخلية وأسيادها في الخارج لتثبيت الحوائل دون الغاية الاستراتيجية لأن من بيده السلطة التنفيذية يكون في هذه الحالة أقل قدرة على تحقيق شروط الغاية من المعارض العامل في الأعماق إذا كان بحق يؤمن بشروط التغيير المتين. ذلك ما حاولت أقناع قادة حماس به لما نصحتهم بالاكتفاء بالتشريعية وترك التنفيذية لفتح بعد الانتخابات مباشرة. وعدم العمل بهذا الرأي أدى إلى الانقسام الذي يمثل أخطر نكسة لحركة المقاومة الفلسطينية بالأسلوبين المدني والعسكري بعد فشل محاولة الانقلاب على حماس.
ونفس النصيحة قدمتها للنهضة مقترحا الاقتصار على السلطة التشريعية والتأسيسية وترك التنفيذية للحكومة التي نظمت الانتخابات مع المشاركة فيها بكتاب دولة حتى يتعرفوا على أوضاع البلاد والتدرب على قيادة الشأن العام وحتى تستعيد الحركة منزلتها في كل مستويات الحياة العامة فضلا عن تجنب الخضوع المباشر للابتزاز وقد ذكرت لهم أمرين تأكدوا منهما بالتجربة الحية:
الأول سيزداد الابتزاز الأوروبي حتى يفرضوا على تونس دور شرطي لحماية الحدود الجنوبية للقارة العجوز.
الثاني سيزداد الضغط الأمريكي حتى يفرضوا التطبيع على الأقل بالحد الذي كان عليه في عهد النظام السابق.
وهذه محاولة تهدف إلى فهم ما يجري في وضعية الحضارة العربية الإسلامية دوليا وإقليميا ومحليا من منطلق تعثر الثورة وتوحش محاولات الثورة المضادة محليا وإقليميا ودولي لأفشال نهوض الأمة. وقد سميت ما يجري بالمنعرج الحاسم لأنه يمثل غاية اللحظة الحاسمة من السعي إلى استئناف دور الإسلام الكوني. وقد قسمته إلى خمس مسائل أبدؤها بهذه المسألة المركزية -المنعرج الدولي- في هذا الفصل الأول.
فالمنعرج الدولي الذي يعتبر بداية الانتقال إلى نظام عالمي جديد وثيق الصلة بما تتحدد به منزلة جغرافية دار الإسلام وتاريخها في تاريخ العالم كله منذ نزول القرآن ونشأة دولته التي كانت في صراع مع الإمبراطوريات المسيطرة على قلب العالم الجامع بين القارات الثلاث: آسيا وأوروبا وأفريقيا. وقد كانت الحرب سجالا مع القوى الدولية المعادية فكان منها ما تغلب على المسلمين (الإمبراطوريات المسيحية بعد غلبتها العلمية والاقتصادية والعسكرية) وكان منها ما قضي على إمبراطوريته ويريد الآن استردادها مع نزعة انتقامية متوحشة (اليهودية والمجوسية) ولهذه الصلة بعدان أولهما يتعلق بما تأخر عما يجري في أحداث هذا الانتقال والثاني بما تقدم عنها:
فهذا الانتقال مخاض بالغ التأثير في الوضع الإقليمي والمحلي الحاليين لأن الساعين إليه جعلوه مدار حرب بالوكالة أولا ثم مباشرة للحصول على موضع قدم في جغرافيته الاستراتيجية وفي إمكاناته المادية.
لكنه انتقال بالغ التأثر بما تقدم من تاريخ العالم عامة وخاصة تاريخ العلاقة بين عالم الشرق الإسلامي وعالم الغرب المسيحي لأن رؤية القوى المؤثرة حاليا لها رؤية للتاريخ ولماورائه متنافية مع الإسلام وتعاديه.
طبيعة العلاقة التاريخية والروحية بين الحضارتين الغربية والإسلامية
لذلك بدأت به المحاولة. فهو منطلق فهم حاضر الإقليم والمحل لكنه لا يفهم إلا بطبيعة العلاقة التاريخية والروحية بين الحضارتين الغربية والإسلامية. فهو وضع ناتج عن رؤية ما بعد تاريخية كذبها التاريخ رؤية مستمدة من دين وفلسفة ينكصان بالإنسانية إلى التاريخ الطبيعي وينفيان إصلاح التحريف بتحرير الإنسان روحيا من سلطة الكهنوت الديني أو العلماني وسياسيا من سلطة الحق الإلهي (ما يزعم من شرعية دينية) أو الحق الطبيعي (ما يزعم من شرعية طبيعية) في الحكم.
فيكون المنعرج في النظام العالمي علة لمنعرجين ينتجان عنه في الإقليم والمحل ومعلولا لمنعرجين أنتجاه في رؤية التاريخ وأساسها الديني أو الفلسفي. وبذلك تكون المنعرجات خمسة مركزه هذا الذي بدأنا به أي ما يعيشه العالم حاليا من عولمة متوحشة وصراع بين من يحاولون التحرر منها (الثورة) ومن يحالون ترميمها للإبقاء عليها (الثورة المضادة) في العالم كله وليس في دار الإسلام وحدها. وتلك هي علة كلامي على الاستئناف.
ولما كنا نعتبر الحاضر بؤرة بعدي الماضي حدثه وحديثه وبعدي المستقبل حديثه وحدثه فإن حاضر الإسلام بهده الأبعاد الأربعة هو لحظة استئناف دوره الكوني التي تعتبرها قوى الاستعمار العالمية وعملاؤهم ظاهرة مناقضة لرؤاهم ومطامحهم في الاستحواذ على حيزه الجغرافي لعلل جيواستراتيجية وثرواته لعلل اقتصادية. وإذا كان مآل الصراع في نهاية القرون الوسطى اضطرار الغرب للإحاطة بدار الإسلام التي استعصت عليهم واستعباد باقي البشرية بالقضاء على المسالمين منها (الأمريكتان) فإنهم اليوم اكتشفوا أن الاستعصاء بات أكبر والإحاطة بها بات مستحيلا لتمددها في العالم كله. لذلك فالكثير منهم قد يميل في نهاية القرون الحديثة إلى منع الاستئناف بالاستتباع الحضاري معاملة المسلمين معاملتهم للهنود الحمر بإرجاعهم إلى الوثنية والقبلية والطائفية حتى يغرقوا في حروب دينية وأهلية لا تتوقف فيقضوا على أنفسهم بأنفسهم. وبذلك يتبين التوالج بين المستويات الدولي والإقليمي والمحلي في صلة بالأزمة الإنسانية العالمية ومنزلة دور الإسلام والمسلمين فيها بصورة تعيد دورهم التاريخي الكوني إلى واجهة السياسة الدولة ليس بوصفهم مجرد موضوع نزاع عليهم كما كانت الحال منذ عصر الانحطاط بل موضوع صدام معهم خوفا من الاستئناف:
الفصل الأول وهو القلب محورا لما قبله ولما بعده: المنعرج الدولي.
الفصل الثاني الأثر الأول للمنعرج الأول: المنعرج الإقليمي.
الفصل الثالث الأثر الثاني للمنعرج الأول والثاني: المنعرج المحلي.
الفصل الرابع العلة المباشرة للمنعرج الأول: الميتاتاريخ الهيجلي.
المنعرج الخامس العلة غير المباشرة للمنعرج الأول: المنعرج القرآني.
والوضعية الدولية الحالية لها وجهان كلاهما يجعلها في صراع حتمي مع الاستئناف الإسلامي:
فهي أولا محاولة لتجاوز النظام العالمي في بعده المادي لوضع أسس نظام مادي جديد لم يعد الغرب فيه هو الوحيد المسيطر على العالم بالعلم والتقنية والقوة المادية اقتصاديا وعسكريا.
وهي ثانيا محاولة لتجاوز النظام العالمي في بعده الروحي لوضع أسس نظام روحي جديد لم يعد فكر الحداثة الغربية هو الوحيد المسيطر على العالم بقيمه ونموذج عيشه الاجتماعي والسياسي.
ولهذه العلة فإن منزلة المسلمين والإسلام أصبحت مركزية لأنه بتحيزه المكاني والزماني يمثل بؤرة كل التحولات التي سيمر بها العالم الجديد بسبب ما تشغله دار الإسلام في النظام العالمي المادي بما لها من منزلة جيواستراتيجية ووزن في شروط الحضارة المادية أرضا وجوا وبحرا وثروات وطاقة وما تشغله حضارة الإسلام في النظام الروحي الجديد من ضرورة تجاوز التحريفات التي طرأت على رؤى الإنسانية الدينية والفلسفية لإعادة النظر في منزلتها الوجودية وفي طبيعة علاقاتها بعضها بالبعض وبما عداها من الموجودات في الكون.
ومعنى ذلك أن الإسلام أصبح بمقتضى الأحياز الخمسة التي يتقوم بها وجود الإنسان من مقومات النظام المنشود فهو بجغرافيته وبتاريخه وبأثر جغرافيته في تاريخه (تراثه الروحي والثقافة) وبأثر تاريخه في جغرافيته (تراثه المادي والاقتصاد) وبالمرجعية الكونية التي أصلح بها القرآن الكريم التحريف الديني والتحريف الفلسفي فخلصهما من العنصرية والطبقية لاعتباره البشر إخوة (النساء 14) وللمساواة بينهم (الحجرات 13) بثورتين روحية تحرر الأفراد من الكنسية سواء كانت دينية أو علمانية وسياسية تحرر الجماعات من حكم يعلو عليها باسم الحق الإلهي أو الحق الطبيعي (الشورى 38 والنساء 58).

Exit mobile version