الياس الحاج عزيز
تهرب من واقعك اليومي المتلبد، المليئ بالتعقيدات والمشاكل إلى عالمك الإفتراضي “الفايسبوك” إضاعة للوقت الذي يمر بك ثقيلا أو بحثا عن صديق تفضفض له ما يخالج صدرك من قلق.. أو عن بعض ما يدخل السرور على قلبك..
وأنت تتصفح الإستقبال، يعترضك شيئ مما تمني به النفس من متعة أو مزاح.. لكن يستوقفك البعض بمنشوراتهم وصورهم التي تصيبك بالملل.. لا ريب أنكم تعلمونها جيدا.
إنها تلك المنشورات التي تعلمنا أنهم يقرأون كتابا أو يشاهدون فلما أو يحتسون قهوة أو يأكلون “بيتزا” أو أنهم مسافرون إلى مكان معين.. ولا ننسى تلك التي يتذمرون فيها من المحاضرات التي يغالبهم فيها النعاس أو المذاكرة والامتحانات..
وطبعا تلك الصور التي تكون مرفقة أو موثقة فيما بعد لما كتب.. بحيث لو جمعت كلها صرت مطلعا بمناقب حياة ذالك الشخص ودرجة وعيه.
في الحقيقة ليست الصور أو المنشورات في حد ذاتها التي تصيبك بالملل، فكلنا نفعل ذلك أحيانا لنقول لمعشر النشطاء في هذا العالم أننا موجودون.. ولنروح عن أنفسنا ساعة بعد ساعة من خلال تفاعلهم..
لكن تنزيلها بصفة يومية.. هو ما يحدث هذا الشعور.. ويسبب لك تبلدا فكريا، كما يرفع من منسوب القلق إذا قمت بمتابعة هؤلاء…
لذا فإن زر “unfollow” هو الحل الذي يريحك من تفاصيل حياتهم اليومية التي يقحمنوك فيها رغما عنك..
لكن يبقى السؤال الأهم ما أسباب هذه الظاهرة ؟ لم لا يحتفظون بشيء من الخصوصية -التي كانت بالأمس عزيزة فهانت- لأنفسهم؟ لم يطلعون الناس عن تفاصيل حياتهم ؟
السبب الأول:
ربما.. تأثير “السيلفي” العجيب الذي لا يستطاع معه صبرا.. وتطبيقة “الأنستغرام” التي تتمحور فكرتها حول تنزيل صور حياتك اليومية، هما اللذان عمقا هذه الظاهرة ودفعا بها نحو الإستفحال.. فلم يكن الأمر كذلك إلا بعد ظهورهما..
السبب الثاني:
لا شك أن الإنسان يسعى إلى إثبات ذاته بين المجموعة من خلال أفعاله وأقواله ليلفت إنتباه الناس إليه ويقول لهم: “أنا ذا موجود ويمكنني أن أساهم في بناء المجتمع، لا تستخفّوا بقدراتي فكلي طاقة وحماس!”.
وحيث أن مجتمعاتنا العربية لا تتيح لك الفرص الكافية لتكون فاعلا بها إذ أن معظمها لا تولي الشباب قدرا كافيا من الدعم والإهتمام لذا يلجأ هؤلاء الشباب إلى مواقع التواصل الإجتماعي خاصة منها الفايسبوك ليوصل صورته إلى من حوله حتى بما يفعله كل يوم، ليثبت ذاته وكيانه في عيونهم، ويدخل السرور على قلبه بتفاعلهم…
ببساطة هم يجدون إلتفافا حولهم وعددا كبيرا من المتابعين والمهتمين بالفايسبوك أكثر من الواقع، هم يحسون بالثقة في أنفسهم هناك.
أما عن الخصوصية، ذلك الشيء الذي يختص به فرد أو مجموعة أفراد لهم الحق وحدهم أن يعلموه، يميزهم عن غيرهم كما يحميهم من الإنتهاك والتحلل والضياع..
هو صندوق أسرارهم الذي يحوي بياناتهم الشخصية..
سقط هذا الصندوق في “بحر الأزرق الفايسبوكي”.. أسقطته فتاة تبحث عن عريس تتزين كل حين وتنزل صورها أينما حلت.. أو شاب مغرم بنفسه وشعره المتمايل وجسده الرياضي يحاول أن يجذب الفتيات إليه.. أو زوجين شابين ينقلان لنا صورهم الرومنسية في “شهر العسل”.
لقد طغى الشعور بالفخر والاعتزاز في نفوس نشطاء الفايسبوك بما يفعلون، بلحضات الفرح والمتعة التي لا يحضى بها كثيرون، بكثرة التعاليق والإعجابات..
طغى كل هذا على الإحتفاظ بتلك التفاصيل المملة وحماية الخصوصية.. حتى صارت البيوت اليوم مفتوحة بعدما كانت أمانة وسترا.
لا تحملنكم التكنولوجيا أن تصيروا عبيدا لها.. تصرفكم عن التفكير والإبتكار وتجعل منكم مجرد مجتمع إستهلاكي كما تعرض حياتكم الشخصية لخطر القرصنة فحاذروا قبل فوات الأوان.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.