تدوينات تونسية

برزخ العشاق – رواية

ليلى حاج عمر
كأنّه حلم ( 2 )
أخيرا جاءت كحلم.. جاءت في جانفي كالثّورة، كمريم.. جاءت شقيقة لابنيّ فصارت باقة شقائق نعمان في حديقتي الدّاخليّة.. وضعتها كاملة مرّة واحدة منذ حولين ثمّ تعهّدتها بالرّعاية والمحبّة ولمّا استوت قلت لها: هذا أوان خروجك فاخرجي.. وخرجت فأبهجت قلبي وحيّرتني. هي “برزخ العشّاق” برزخ العشق والثّورة، برزخ الموت والحياة، برزخ الحتف والولادة. برزخ الجسد، جسد الشّهيد، يتحلّل في التّراب ليصبح حقول ورد وجلّنار، يفرم فرما ليصير رصيفا في مدينة الميموزا البهيّة. برزخ الرّوح، الرّوح المعلّقة تأبى الانصراف قبل أن تعرف قاتلها، وبرزخ العاشق لا ينسى عشقه وهو هناك في المنتهى. يتذكّر امرأته ويعشقها ويشتهيها ويكتبها ويكتب تفاصيل عشقهما وهو هناك، في برزخه، ويتذكّر والديه ووجه والديه وهو يموت ويشتاق إليهما ويشتاق أحبّته في منفاه الأوّل باريس: مريم والأولاد. وفي برزخه يجد اللّه فيناجيه ويسأله حائرا في أمر البشر. وهي أيضا برزخ مدن بحساسيّة الميموزا تنغلق أوراقها مع كلّ اعتداء وبرزخ الشّعوب، شعوب من أشجار: شخصيّاتها أشجار ينخرها الدّود الأسود لكنّه يعجز عن الانتصار عليها. تظلّ الأشجار واقفة تتحدّى فعله لعقود طويلة في جذعها ينخرها بصمت لكنّها صامدة. وبعض شخصيّات الرّواية واقعيّة ستجد أسماءها في الرّواية. وبعضها متخيّلة ولكنّها تحيل على أشخاص نعرفهم. وسيجد البعض نفسه متماهيا مع بعض شخصيّات الرواية، أشجارها الواقفة الماسكة بزهرة النّار. وسيجد البعض الآخر نفسه متماهيا مع شخصيّات أخرى نراها ونسمعها كلّ يوم في التّلفاز، هي أدوات لنخر الجذوع .. جذوع الشّعوب..
رواية ضدّ الموت الحالي، تبحث عن القاتل وتقاوم القتل وتسأل: لم يصير بعضنا قتلة؟ رواية تكتب القاتل والمقتول وتواجه الموت بالعشق والكتابة. هكذا كانت.. لعلّها تكون..
سي محمد ضيف اللّه أستاذنا الكبير والمؤرّخ الذّي رجوته أن يقدّم لي الرّواية رغم كونه غير مختصّ في الأدب هو “عرّاب” لرواية. فتقديمه المتحمّس لها في ندوة في بنزرت قبل نشرها وبعد قراءته الأولى لها وتحفيزه إيّاي على نشرها دفعاني إلى أن أقترح عليه التّقديم وإلى الإسراع بالنّشر. سي محمد قال لي بعد قراءتها للمرّة الأولى: هذه الرّواية غيّرتني. وكتب في التّقديم: “لقد تركت في نفسي أثرا لا يمّحي”. ولكن أجمل ما قاله لي سي محمد هو أنّ هذه الرّواية يمكن أن يقرأها أبناؤنا دون أن نخشى عليهم فظاظة الوصف التّجاري للجسد ولا التّسليع الفجّ له رغم ما في الرواية من عشق. هي رواية بروح الثورة. كما نعتها سي محمد والثورة أيضا تأسيس لنظام معرفي جديد غير ثقافة السّوق والزّمن الماكدونالدي.
الرواية أهديتها لشهداء الثّورة الذّين يريدون إدخالهم طيّ النسيان. سمّيت بعضهم في فصل سريالي الوصف. أهديتها لأبنائي وأهديها لكلّ من لايزال ماسكا بزهرة النّار مؤمنا بسرديّة الثّورة في زمن السّرديات المزيّفة.
كلّ الشّكر لصديقي الباحث الأسعد النجار الذي قام بمراجعة الرّواية ولم يكفّ عن تشجيعي..
كلّ المحبّة لشاعرنا الكبير جمال الصّليعي الذّي رصّعت روايتي بمقطوعات من قصائده المدهشة وأنهيتها بمقطع له.
كلّ الشّكر للناشر السيّد عماد العزالي مدير الدار المتوسطية للنشر الشّاب المليء بالعزم والطّموح الذّي استطاع أن يحقّق لي حلمي بنشر الرواية في زمن قياسي.
كلّ المحبّة للمهندس الشاب علي بوعتور الذّي ضمّنت روايتي نصّه الجميل. ستكتشفون روعة شبابنا.
كلّ الشّكر لاخوتي على وقوفهم إلى جانبي ومساعدتي وخاصّة سعيدة ومنية.
أهديها أيضا لوالدي في مرضه، لأمي.. أحبّكما
في هذه الأيّام البهيّة لثورتنا.. لن ننسى

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock