دفء منغّص
سامي براهم
في بيتك دفء يؤمّنه تكييف مدفوع الأجر، تقتطعه من راتبك لاجتناب برد الشّتاء وتأمين حدّ من الدّفء والصحّة وطيب العيش لعائلتك.
لكنّه دفء ينغّصه ما تعرفه عيانا عن العائلات التي يقضّ مضاجع أفرادها زمهرير الشتاء وبرد لياليه القارس.
في أعماق تونس المنسيّة في أرياف الصّقيع وفجاج الرّيح أطفال تتجمّد أصابع أيديهم عن مسك الأقلام وأصابع أقدامهم عن المشي إلى مدارسهم في الطّرق الموحلة الموحشة، وشيوخ أجسادهم الطّاعنة تعجز عن مقاومة عوادي الطبيعة، ونساء لا ينقطعن عن الاستيقاظ في الأسحار للانتقال إلى مزارع الأثرياء للقيام بالأعمال الفلاحيّة من أجل تأمين لقمة ساخنة وثوب ساتر.
المحظوظون الذين يقطنون في دائرة الشبكة الكهربائية ربّما همّهم أكبر، يفتحون التلفاز لمقاومة حصار البرد القارس الذي يعوي في الخارج مثل ذئب جائع، فتعمّق الشّاشة إحساسهم بالتّفاوت والتّهميش والغبن، بلاتووات الفرح الباذخ والألوان الفاقعة ووجوه العجين الطريّ، رقص غناء زينة صخب ضحك وقهقهات فاحشة.
من يدخل الدّفء في قلوب هؤلاء المواطنين وفي بيوتهم ؟؟؟
مئات الجمعيّات التي كانت تقوم بدور معتبر في تخفيف عبء الشتاء أوقف نشاطها بشبهة تمويل الإرهاب.
جمعيّات يُشتبه في تمويلها للإرهاب، ودولة تقاوم إرهاب الجماعات ولا تقاوم إرهاب الفساد والتّهميش والتفاوت والحرمان وبرد الشّتاء.
إرهاب بعضه من بعض يغذّي أحدهما الآخر ويسنده بينما يبقى نصف الوطن يموت يموت ليحيا نصفه الثّاني في دفء وترف.