محمد المولدي الداودي
كان من الممكن أن يستجيب نظام بشار لمطالب الشعب السوري منذ بداية الثورة السورية ويجنب البلاد كل هذا القتل والخراب. اتفاق اليوم أنهى صراعا مسلحا ولكنه أكد عبثية المشهد السوري بمكونات اللوحة المتناقضة نظاما ومعارضة.
معارك خاضها النظام مع شعبه وبلغ فيها إجرامه حدا مذهلا لم تبلغه آلة الجحيم في تاريخ الحروب من قبل وانتهت إلى حالة من الإنهاك للطرفين ولأول مرة في تاريخ الحروب ينهزم الطرفان نظاما ومعارضة في حين تنتصر أطراف خارجية هي التي أدارت الحرب وفق مصالحها ورؤاها الاستراتيجية. وعلى امتداد سنين القتل والحرب كان الشعب السوري هو أكبر الخاسرين وأكبر الضحايا.
حصيلة الحرب السورية إضعاف لكيان الدولة وتهجير لنصف الشعب السوري وانكشاف عسكري عرى كل مقدرات الدولة السورية وتمزيق تاريخي للنسيج المجتمعي السوري عبر تناقضات البنية الطائفية.. إنه الحصاد المر.
خارجيا تبدو روسيا وتركيا أكبر المستفدين فقد تقاسما النفوذ العسكري والسياسي وكانا جزءا من معركة اقتصادية ضمن رؤية اقتصادية أساسها مصلحي وفي إطار معادلة دولية أعادت رسم التحالفات.
التقارب الروسي التركي استراتيجي بالنسبة للبلدين وستكون لروسيا ظلال في المنطقة وأكبر ظلال روسيا إيران وكذلك تركيا ستكون لها ظلال وأكبر ظلالها السعودية.. بين روسيا وتركيا المحملة بعبق العثمانيين تاريخ من الصراع والتحالف وعلاقات متعددة الأبعاد يتداخل فيها الجغرافي بالديني بالسياسي بالاقتصادي.
هذه المعادلات التي غيرت في وجهة التحالفات بين روسيا وتركيا كانت قائمة على اختبار حلب والباب وقد أفضى الاتفاق حول حلب إلى تجديد عقود التحالف إلى اتفاق حول كل سوريا… روسيا تدرك أن قيمة تركيا استرتيجيا تساوي أضعافا مضاعفة لقيمة إيران وسوريا معا فتركيا معادل جغرافي واقتصادي وسياسي لأكرانيا وكما حاول الغرب حصار روسيا عبر أكرانيا ستسعى روسيا إلى حصار الغرب عبر البوابة التركية.
إيران محاصرة بأعبائها الطافية ومحاصرة بدول اقليمية تعاديها وترفضها عكس تركيا وهذا ما يجعلها فضاء يستوعب الرغبة الروسية في التمدد والنفوذ.
الدرس السوري طيلة ست سنوات من الجحيم أحيا بقوة أحلام القيصر الروسي والسلطان العثماني.. جغرافيا العالم عادت الى نهاية القرن التاسع عشر. والعرب دائما نائمون.
انتهى الدرس.