جمال بوعجاجة
عشاق الانقلاب من محترفي اعتصام النافورة يعودون إلى الساحة من جديد بعد إفلاس خياراتهم في التهريج الإعلامي وتجييش الشارع، في لحظة حققت فيها جلسات الاستماع إلى ضحايا الاستبداد تعاطفا مع أنصار الخيار الثوري، وتراجعا في منجزات جرحى التوافق.
هذا الإصرار على التهريج والتجييش والتراشق بالشعارات الاستئصالية لن يعالج القضايا الراهنة، ولن يفرض إلا واقعا مشوها يمثل انقلابا على الشرعية الدستورية والانتخابية من جديد.
إنّ الاستنجاد بالإعلام والشارع والمواطنين مرة أخرى يعتبر سلوكا انقلابيا لفرض الرأي ومواجهة الاختلاف بعيدا عن منابر التحاور ودوائر التشريع وأجهزة التنفيذ المعنية بذلك.
ولعل السؤال الخطير في نهاية الأمر هو كيف تحول دعاة التنوير والمواطنة والقيم الكونية والالتزام بالمواثيق الدولية إلى مبشرين بخرق كل النصوص تأسيسا لشريعة فرض الفراغ ورفض الحوار والتشريعات المحلية والدولية؟
هل أصبحت المسالة الحقوقية موضوعا للمزايدات الايديولوجية من أجل تصفية الحسابات السياسية وخرق كل المكاسب والمنجزات النظرية والعملية؟
هل يعجز العقل الفقهي التشريعي التونسي عن استنباط الحلول المناسبة للنوازل القانونية والحقوقية دون الاحتكام إلى الشارع والتراشق الإيديولوجي؟
إلى متى سيظل التونسي تحت وطأة الأجندات الفوضوية التي تزايد على الجميع بشعارات انقلابية تتنصل من روح المواطنة وفلسفة المدنية من حيث تدعو الى حمايتها؟