عودة “المقاتلين” التونسيين
في تصريحه للصحافة الفرنسية بخصوص المقاتلين التونسيين في مساحات النزاع المسلح قال رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي:
“إن خطورتهم باتت من الماضي، والعديد منهم يرغبون في العودة، ولا يمكننا منع تونسي من العودة إلى بلاده، هذا أمر يكفله الدستور… لكن من البديهي أننا لن نستقبلهم بالأحضان وسنكون يقظين… لن نضعهم جميعا في السجن لأننا إن فعلنا لن يكون لدينا ما يكفي من السجون، بل سنتخذ الإجراءات الضرورية”.
هذا التصريح رافقته ردود فعل غاضبة ذهبت حد اتهام الرئيس بخرق القانون وتعريض الأمن الوطني للخطر كما رفض كثير من المتابعين عودة هؤلاء منبهين إلى كونهم يمثلون خطرا على السلم الأهلي وعلى الأمن والاستقرار في بيئة إقليمية متوترة وتساءل هؤلاء عن جدوى “الحرب على الإرهاب” وما بُذل من مجهود مادي وفكري في التصدي لتلك الظاهرة طيلة سنوات.
المسألة لا تبدو بسيطة ولا يمكن الاكتفاء تجاهها بإبداء الرفض أو القبول فهي مسألة معقدة حقيقة وتحتاج تفكيرا وتقليبا بعيدا عن العواطف وعن الحسابات السياسية.
يمكننا أن نسأل إن كان هؤلاء “إرهابيين” أم “مقاتلين” من أجل قضية؟ ويمكننا أن نتساءل عن الأطراف التي أرسلتهم ونظّرت لهم وفتحت مسالك العبور وموّلت كلفة السفر؟ لنا أن نتساءل أيضا حول الظروف التي سيُستقبل فيها هؤلاء وكيفيات التعامل معهم وهل سيُصنفون كمغرر بهم أم كمجرمين غادروا التراب الوطني بطرائق غير قانونية وقاتلوا تحت رايات لا علاقة لها بالدولة التونسية وسياساتها الرسمية.
إن أخطر ما يمكن أن ينتهي إليه المحللون والمراقبون هو الاعتقاد بكون ذاك الشباب التونسي إنما أُرسِل بقرار خارجي ضِمن لعبة الكبار وإنما يعود أيضا لأرض الوطن بنفس القرار، ومثل هذا الاستنتاج ستتوالد عنه عدة أسئلة: هل كان خطاب الحرب على الإرهاب خدعة؟ هل كان التضييق على الشباب المتدين مقصودا بهدف دفعه لمغادرة البلاد مكرها والالتحاق بساحات القتال؟ هل كان خبراء الإرهاب جادين في تحليلاتهم المتعلقة بـ “الإرهاب” أم هل كانوا يشتغلون ضِمن “مشروع” مُحكم التصميم والإخراج والتسويق؟ وكيف سيتعامل هؤلاء الخبراء مع قرار السماح لهؤلاء الشباب بالعودة إلى وطنهم؟ ولعل السؤال الأخطر هو: هل كان هؤلاء مناضلين ومجاهدين ضد طاغية أم كانوا قتلة ومجرمين؟ والإجابة عن هذا السؤال هي التي سترسم منهج التعامل معهم أو ربما قلنا إن منهج التعامل معهم هو الذي سيجعل المراقبين يستنتجون الإجابة عن ذاك السؤال.
هذا الشباب المغدور في وعيه وهذه الأمة المغدورة في دمها وهذه الثورات المغدورة في شعاراتها… سيشهدون جميعا بحجم الخيانة حين يتكلم التاريخ بلسان مُبين.