كيف تكون جسرا بين الماضي بتفاصيله العميقة والمتعبة وبين مستقبل يجب أن يكون كله أمل وبناء ؟
عبارة “الجسر” ذكرها الفيلسوف الدكتور أبو يعرب المرزوقي في أحد الندوات الفكرية.. كان يقصد هنا أن تونس اليوم تحتاج من الجميع التعلم وتقييم تجارب الماضي لكن في نفس الوقت تثبيت البوصلة على المستقبل الذي ينتظر عمل النخبة والشباب.
الدكتور أبو يعرب المرزوقي لطالما كان يناضل بالكلمة والقلم أن على الطبقة السياسية اليوم في تونس أن تتجاوز الماضي بأخطائه وعلاته وأن تستشرف لمستقبل سيحاسبون عليه يوما ما وربما سيندمون يوم لا ينفع الندم.
اليوم تعيش جزء من النخبة في البلاد على أطلال زمن انتهى.. لكن مازالت الأصوات المنادية بإقصاء الإسلاميين فهم مصدر الإرهاب والفوضى وأن ربيعهم العربي هو خريف بارد.
بينما يرى جزء أخر من الإسلاميين خاصة الذين عاشوا تجربة الحكم وخرجوا منها بأخف الأضرار أنهم ضحايا سوء تصرف قيادات داخل أحزابهم التي تناست أن شأن الحزب وشأن الدولة أمران مختلفان والمسؤول داخل الدولة ولاءه للدولة وليس للحزب. بالإضافة الى أن الثورة التي تأتي لتهدم كل شيء ليبنى مستقبل جديد وناصع وليس على أنقاض تجربة متعفنة.
اليوم بين مجموعة تواصل القول أن “الثورة يتيمة” بلا قيادة وبلا مسار لأنها تواصل الاعتماد على نظام سابق أثبت فشله وبين من يقول أن ما جاءت بهم الثورة ليس لهم لا التجربة ولا الحنكة اللازمة..
منذ سنة 2011 الكل يتهم في الكل.. الكل يوجه أصابع الاتهام للكل بأنه سبب الفوضى والخراب ما نتج عنه غياب ثقة الشباب في القادة السياسيين والنخبة وابتعاد نفس هذا الشباب على الشارع والمراكز الثقافية والسياسية التي عليه أن يتواجد فيها ليقترب من شأنه العام.
بين هذا وذاك يأتي “الجسر” المنشود ليربط بين الماضي والحاضر.. “جسر” حباله متينة ولكن نظرا لبعد المسافة بين الجزيرة والجزيرة الأخرى يجب توفر سواعد وهمم ليثبّتوا هذه الحبال في الأرض وبين أمواج بحر لا يعرف متى يعيش التسونامي الخاص به.. هذا الجسر لن يبنى إلا بأجيال الفترتين لأنه بالنهاية سيكون منطقة عبور وأمان للجميع.
الجسر الذي سيضرب موعدا جديدا من السلم والمصالحة فهو مسار بني بالجميع ولا يمكن إقصاء أحد وكما اعتبرت تونس استثناء بين الدول فهي يمكنها أن تخلق استثناء جديدا في التعايش السلمي والحضاري بين رجال الماضي والحاضر وهنا تأكد أنه لا يمكن اختراق أي طرف من أطرافها المتنازعين سرا وجهرا.
اليوم على الجميع التعلم كيف يكونون “جسورا” للصلح والبناء لأن المستقبل لن ينتظر أحدا وطريق الفوضى سهل بينما البناء هو الذي لا يتقنه إلا القليلون.