كتائب القسام هي أبو بصير عصرنا، لا نورّطها ولا نتورّط معها
الحبيب حمام
يا من أعطيتم الشهيد حقه، بارك الله فيكم. أخشى أن نحمّل غيرنا مسؤولية، لا أقول لا يطيقونها، بل لا يطيقها الشعب التونسي. الشهيد البطل ابن النهضة لا شك، لم يكن منتميا إليها لحظة استشهاده ومنذ 2006، ولكن تربّى في إطارها، ونشط بين أعضائها، وانخرط رسميا في طلبتها، وفرّ من الطغيان كآلاف الفارين من شبابها، ونشط في السودان في إطارها. اختار أن ينضمّ إلى جناح مُسلح مقاوم باسل، كتائب القسام. كان عليه أن يختار بين النهضة وبين كتائب القسام، لأن كلا الطرفين لا يقبل بالانتماء المزدوج. هذه وقائع، نمرّ الآن إلى المواقف.
حزب الله فصيل مسلح لا يحرجه أن يدعم كتائب القسام في العلن إعلاميا وماديا. ولكن الأحزاب في تونس وضع آخر. فحزب الله أصلا تنظيم مسلح ككتائب القسام مع الفرق طبعا. لا يتحمل الشعب التونسي تبعات أن يتبنّى الغنوشي، أو المرزوقي، أو العياّدي، أو أي مساند للمقاومة الفلسطينية المُسلحة، خط المقاومة وينخرط في دعمها المادي والإعلامي. وحماس أصلا لا تطلب منا هذا، ولا ترغب في نقل المعركة المسلحة إلى تونس، ولا ترضى توريط الشعب التونسي في المجهول.
الشعب التونسي لا يتحمّل تبعات هذا. عندنا بطل واحد، وبسببه ضربت إسرائيل في العمق التونسي، متحدية الجميع، ومخترقة كل الحدود بغطاء أمريكي وأوروبي. تتصوّرون أن ألمانيا لم تكن على علم أو إيطاليا، أو سفارة أمريكا في البحيرة؟ ما ظنكم لو النهضة أو الحراك أو وفاء دعمت ماديا وإعلاميا 10 أبطال فقط وأعلنت ذلك. يقع لها ما يقع لغزة. هل الشعب التونسي الآن، الذي انتخب الباجي بالأغلبية الساحقة في الشمال الغربي سنة 2014 والهاشمي الحامدي في سيدي بوزيد سنة 2011، منطلق الثورة، قلت هل الشعب التونسي الآن مؤهل لأن يكون غزة؟ هل تريدون غزة؟ استعدوا لها أوّلا. الشعب التونسي في أقوى لحظاته الثورية، يوم 27 فيفري 2011 في القصبة 2، استبشر بقدوم الباجي وضحك على الغنوشي الذي قال “كلما احترقت ورقة من النظام القديم، أتوا لنا بورقة أخرى من نفس النظام”. غزة لم تكن غزة إلا لأنها كل يوم تضرب موعدا مع العزة. عزاء كل يوم في أحياء شعبية مكتظة. الجار يقتسم اللقمة مع أبناء جاره، الذي مات أمس، وهو يعلم أن موعده مع الموت غدا. هذه غزة.
أقول في الخلاصة. كتائب القسام جناح مسلح. لا يتحمل الشعب التونسي أن يكون أحد الأحزاب أو المنظمات الرسمية في علاقة مباشرة معه. بلغة أخرى كتائب القسام هي “كتائب أبي بصير” في عصرنا. دعمها سيد الخلق ورمز الشجاعة وصحابته الكرام بالدعاء واستبشروا لانتصاراتها، ولكن المدينة لم تكن تتحمل وقتها تبعات مناصرة كتائب أبي بصير علنا وإمدادها بالمال والعتاد والرجال والدعم الإعلامي. كان سيد الخلق يغضّ الطرف عن الأفراد الذين يدعمونها بصفتهم الفردية خارج منظومة المدينة. عندما أراد الرسول الأكرم الشجاع دعم أبي بصير لم يعلنها صراحة ولكنه لمّح تلميح الحكماء: “مُسعّر حرب لو كان معه رجال”. فهم المسلمون خارج المدينة مِن “لو كان معه رجال” أن يلتحقوا به أفرادا دون توريط شعب المدينة في شكل تنظيمي أيا كان. أختم قائلا: كتائب القسام هي أبو بصير عصرنا، لا نورّطها ولا نتورّط معها، نستبشر لانتصاراتها، ندعو لها في سجودنا، لا نمنع الأفراد من التحاق بها، نحرّر أوطاننا لأن ذلك أكبر دعم لها.