محمد الزواري شرف لتونس
عديدة هي الشخصيات التي توحد حولها التونسيون فلم يتنازعوا فيها مثل بن خلدون والحداد وابو القاسم الشابي وفرحات حشاد… وها إن الشهيد محمد الزواري الذي اغتالته أخيرا المخابرات الصهيونية يُجمّع حوله كل التونسيين أحزابا وجمعيات ومنظمات وأفرادا سياسيين ومثقفين وإعلاميين -إلا قليلا من المعطوبين-.
المُطلع على بيانات الأحزاب والمنظمات وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل يلحظ تنديدها جميعها بجريمة الاغتيال واعتزازها بالشهيد محمد الزواري وهو ما كشف عن تأصل قضية فلسطين لدى التونسيين ورفعة شأن المقاومين الذين مازالوا ثابتين على خيار المقاومة بوجه الكيان الصهيوني المغتصب لا يثقون بخيارات التفاوض والتسويات ولا يقبلون بنظرية التطبيع وطريق السلام المهزوم.
الشهيد محمد الزواري لا يضيره تبرؤ البعض منه فهو لا يحتاج انتسابا لأي جهة إنه هوية بذاتها وإنه شرف لكل من ينسب نفسه إليه، الذين تبرأوا منه ليس إلا جبناء حتى وإن تعللوا بـ “الواقعية” وبهشاشة المرحلة فالقضايا الكبرى لا يمكن فيها التردد والمجاملة.
لقد كشفت عملية الاغتيال الجبانة عن وجود كيمياء مقاومة مبثوثة في عمق الشعب التونسي لا تبرد بسياسة المهادنة ولا ترتبك أمام خطاب الترذيل يُشيعه بعض المغفلين والانتهازيين والجبناء يسخرون من مثقفي المقاومة وينعتون الممانعة بـ “المماتعة” استرضاء للدوائر الرجعية وسترا لجبنهم وتغطية لتاريخهم الميت يصطنعون لأنفسهم تاريخا جديدا يتخذون له منطلقات رجعية ومعايير كاذبة وهو ما دفعنا في مناسبات عدة إلى التشكيك في نوايا كثير من هؤلاء وإلى اتهامهم بكونهم -من حيث يشعرون أو لا يشعرون- خدم للرجعية وللصهيونية.
حين تقول الدوائر الصهيونية بكون تونس مجالا رخوا يسهل اختراقه فإنهم لا يقصدون فقط الاختراق الأمني وإنما يقصدون تحديدا اختراق الوعي والثقافة وهم يقولون حقيقة أو أقل من الحقيقة حين نلحظ حجم الهجوم الشرس الذي يخوضه عدد من بني جلدتنا التافهين الانتهازيين الجبناء ضد خطاب المقاومة ومثقفي المقاومة وإنجازات المقاومين.
استشهاد محمد الزواري حدث تاريخي أعاد لتونس بريقها في الساحة العالمية وأعاد للتونسيين ثقتهم بأنفسهم وبروحهم المقاومة للاستبداد والاحتلال معا وهو حدث صادم للمربوكين المستلقين على بطونهم في حضرة العطائين بمقابل.
نتفهم حالة الإرباك التي أصابت بعض السياسيين ولكننا لا يمكن أن نبرر مواقف التبرؤ من الشهيد بل نحن متفائلون بنشأة خط مقاوم يقطع مع الخيارات الرخوة وينأى بنفسه عن الاصطفاف مع المخاتلين ليقتحم المستقبل المفتوح على المقاومة الإنسانية الشاملة لكل قوى الاستكبار حيث كانت وأيا كانت فلا معنى لثورة لا تنخرط في جبهة التحرر العالمي ولا حقيقة لثوريين لا ينتصرون لسيادتهم الوطنية ولقضايا الشعوب العادلة سواء واجهت الاستبداد والظلم الاجتماعي أو واجهت الاحتلال ومشاريع النهب الاستعماري.