ليلى الهيشري
أرجو منكم الرجوع إلى العديد من الأحداث التي سجلت في هذه الفترة، حول اغتيال عالم تونسي صامت لا يحمل أية سوابق عدلية، حتى عندما عاد لم تكن لديه أية سجلات ولم يذكر اسمه نهائيا طيلة فترة ما بعد الثورة لساعة استشهاده.
نعم هو شهيد لأنه مغدور، لم يناضل في حياته ضد سوريا ولا ضد النظام التونسي السابق، لم يتوجه إلا للجهاد في فلسطين، أين يقع الجهاد الحقيقي الذي ذكر منذ احتلال القدس الشريف.
الشهيد محمد الزواري، يثير مقتله العديد من التساؤلات، لماذا قامت إسرائيل باغتياله الآن، وبماذا سيفيدهم قتله؟
هناك فرضيتان تتمثل الأولى بنظرية تقليدية مفادها أن شبكة الموساد ارتأت بعد بحث استخباراتي كبير اكتشاف صانع الطائرات المتطورة التي اعتمدتها حماس في كفاحها ضد المحتل على الأرض الزكية، مهد الأنبياء والرسل وأولى القبلتين. وبذلك تتحقق النظرية التقليدية وهي نظرية الاغتيال.
أما الفرضية الثانية التي ترعاها الظروف الحالية والمعطيات التي تم الإعلان عنها في العديد من الاعترافات للعديد من الصحفيين على غرار برهان بسيس أو عن طريق أصدقاء الشهيد المقربين وعائلته، وأخيرا تلك التي صرح بها وزير الداخلية التونسي في المؤتمر الصحفي. تتمثل في وجود أطراف أخرى قامت بالاغتيال لمصلحة ما.
ورغم ما لوحظ من ضبابية في تقدير الأحداث وما رصد من تضارب للمعلومات، كانت تصريحات ممثلي حركة حماس وتحديدا الجناح العسكري لعز الدين القسام المصدر الأكثر أهمية وخطورة، تؤدي ضرورة إلى التشكيك في هوية المنفذين لعملية الاغتيال وذلك بتوجهي إصبع الاتهام لأطراف غير إسرائيلية، قد تنصب العداء لشهيدنا. وهناك العديد من المؤشرات التي قد تدعم هذا التوجه.
لقد أكدت التسجيلات والشهادات أن القتل تم بأياد أجنبية ولكن لا يمكن الجزم بأنها الموساد. ويعود ذلك لعدة اعتبارات أهمها أن محمد الزواري لم يعد ينفع أية مقاومة تذكر، إذ انقطع نشاطه منذ زمن، وتحديدا منذ 2012، على المستوى الميداني، مما يزيد من غيابه وابتعاد الأنظار عنه، فلماذا تم اغتياله اليوم ولم يتم اغتياله قبل رجوعه لتونس بصفة نهائية علما وانه لم يترك البلد منذ ذلك التاريخ؟
فقد عرفت جرائم الاغتيالات عبر التاريخ، لأسباب سياسية أو عسكرية ومن شروط الاغتيال أن يكون الشخص المستهدف مصدر خطر محدق أو متواصل، حيث عادة ما يكون ناشطا في منظمة أو جهاز أمني أو استخباراتي أو قائدا كبيرا عرف بتحقيقه للعديد من الإنجازات، فهو بذلك شخص مهم، خطير ولكن غير مرئي أو معلن عنه ويتمتع بحماية كبيرة، وهو ما لم يتوفر في شخص شهيدنا منذ 2012. لذا أؤكد أن اغتيال محمد الزواري حسب هذه المعطيات يشير إلى نقطتين أساسيتين:
– تتمثل الأولى في اعتباره ليس ذلك العالم الذي ساعد بجهوده المتواضعة فصيلا فلسطينيا مقاوما وإنما ما ذكر عن زيارته لإيران، تثير الكثير من التساؤلات، هل هو عالم شارك في تصنيع أسلحة إيرانية متطورة، في فترة ما، هل هو صانع أسلحة خطيرة ؟
– أما النقطة الثانية، فهي تعود لتلميحات المتحدث باسم كتائب القسام الذي أصر على اعتبار محمد الزواري قائدا في الكتائب وهو منصب لا يسند لأي شخص إلا بشروط تتعلق بمدى أهمية نشاطه وخطورة موقعه في مواجهة العدو، كما شدد المتحدث على اعتبار أن محمد ليس العالم العربي الوحيد الذي انضم إلى الفصائل الفلسطينية المقاومة، وخطورة ذلك التصريح سيكون ربما فاجعة جديدة في أحد مناصري القضية من علماء عرب انضموا بصمت إلى الجهاد الحقيقي ضد الشيطان الصهيوني. وقد يكون منهم العديد من التونسيين الذين تركوا البلاد في التسعينات واتخذوا نفس المسار الذي اتخذه محمد الزواري.
لذلك يجدر التساؤل حول الأسباب التي أدت إلى تسريب معلومات عن شخصية محمد الزواري كانت مخفية وكانت حسب البعض سببا في نجاته كل تلك الفترة، هل اغتالته الموساد كعمل استخباراتي أم هل تم الكشف عمدا عن هويته من طرف منتفع بقتله لإسكاته أو لضمان دفن بعض الأسرار ربما. يجدر البحث بدقة في وقائع الجريمة لمعرفة مسار هذا الحدث، خاصة وان أسلوب اغتياله يتشابه كثيرا مع طريقة اغتيال شكري بلعيد شهيد تونس.
في الأخير، أقول إن اغتيال الشهيد التونسي محمد الزواري، العالم، المناضل ضد إسرائيل هو لغز سيفضح العديد من الأجهزة الناشطة في تونس والنافذة ايضا، كما سيكشف عن تفاصيل قد تساعد في تدعيم الأمن في تونس، ثغرات يجب تحليلها والعمل على إصلاح المنظومة الأمنية كعمل استباقي مانع لمزيد من الاغتيالات في المستقبل.
باحثة