المأزق العربي: في السياسة أم في الثقافة ؟

طارق العبيدي

حالما انتهيت من قراءة كلمة الأمين العام لجامعة الدول العربية التي ألقاها امام مؤتمر وزراء الثقافة العرب المنعقد بتونس يوم 14 ديسمبر 2016 لاحت بخاطري الكلمات الجميلة التي قالها أفلاطون عن الظلام والضوء، حيث كتب “يمكننا ان نسامح طفلا يخاف الظلام، ولا يمكننا ان نسامح رجالا يخافون الضوء”.

ذلك هو حال كلمة احمد ابو الغيط الأمين العام الحالي لجامعة الدول العربية، مثله مثل كل أمناء الجامعة العربية السابقين «رجال يخافون الضوء». لقد ابتدأ حديثه بأن فكره مشغول على مدى نصف القرن الذي قضاه في العمل السياسي والدبلوماسي بالمأزق العربي وفيما كانت أزمة سياسة ام أزمة ثقافة ؟ وانتهى في الأخير الى الحسم بأنها أزمة ثقافة لا شك لديه في ذلك، ويجب البحث عن علاج المأزق العربي في ثنايا الثقافة قبل أي شيء آخر.

وقال بان الجامعة العربية كانت سباقة في ذلك عندما أنجزت معاهدة الوحدة الثقافية العربية سنة 1945، وهي الاتفاقية التي اعتبرها المدخل الحقيقي لإنجاز الوحدة العربية المنشودة، وخطوتها الاولى كانت أحداث المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة «الإلكسو» سنة 1964. وألقى بحمل الخروج من المأزق العربي على المثقفين العرب الذين طالبهم بالخروج بالثقافة العربية من العزلة والمحاصرة وذلك بان اقترح عليهم مد أربعة جسور لا غنى عنها لتأسيس ثقافة عربية سليمة صحيحة ومبدعة: الأول هو جسر وصل المثقف العربي بعصره، والثاني هو جسر وصل الثقافة العربية بماضيها والثالث هو جسر وصل المثقف بأهل السلطة والحكم والرابع والأخير جسر وصل المثقف العربي بمجتمعه العربي.

يقول نيكيتا خروتشوف «الساسة هم أنفسهم في كل مكان. يعدون ببناء الجسور حتى لو لم يوجد نهر». في عصرنا اليوم الذي أصبحت فيه الكرة الأرضية قرية رقمية تصل الإنسان بأخيه الإنسان أينما كان في شمال كوكبنا او في جنوبه في شرقه او غربه يصبح حديث السياسيين العرب عن وصل المثقف العربي بعصره وبمجتمعه وسلطاته وتراثه كالحديث عن شروق الشمس من مغربها.

كان أولى بالأمين العام للجامعة العربية أن لا يخاف الضوء الساطع لحقيقة المأزق العربي ويعترف بان السياسة العربية من مشرقها الى مغربها كانت سبب الأزمة العميقة في الثقافة العربية حيث توقفت عن النمو والمساهمة في رسم وتخطيط بنية تحتية للإبداع وخلق الثروة لما سيرها الحكام العرب المستبدون بالسلطة والرأي مستنقعا ومصبا لإلقاء فضلاتهم الكريهة واول هذه الفضلات بناء وحدتهم على توحيد الثقافة العربية وهي الغنية بتنوعها وثرائها وتسامحها وانفتاحها على الثقافات الأخرى منذ ان ساهمت بتصدير المعارف والقيم الى بناء النهضة الأوروبية.

السياسة والسياسيون العرب هم بلية الثقافة والمثقفون العرب، وهم السبب الجذري والوحيد للمأزق العربي وأوله ما يعرف بجامعة الدول العربية التي كانت على مدى أزيد من سبعين عاما وفي كل المحطات العربية الكبيرة سببا في عطالة الثقافة العربية. لأنها أفضل مكان سياسي عربي يمكن ان يطلق عليه المأزق العربي. أولى بأمين عام الجامعة العربية أن يرد المأزق العربي لهذا المنتظم العربي الذي نجح في ان يكون أفضل مرآة عاكسة لازمة السياسة في كل الدول الأعضاء بما في ذلك الدول التي هبت عليها رياح الربيع العربي والذي تحاول دولا أخرى أعضاء في الجامعة العربية ان تحوله الى جحيم عربي.

صحيح هناك مأزق عربي، لكنه مأزق سياسي وليس ثقافي. والثقافة والمثقفون العرب الحقيقيون ضحية لهذا المأزق العربي. اذا كان نمو الثقافة العربية أهم شروط نجاح الأمة العربية في تقرير مصيرها، فان خطاب أمين عام جامعة الدول العربية هو اتجاه خاطئ نحو تعميق الأزمة لانه لا يسعى الى نمو الثقافة العربية وإنما إلى الصراع مع محيط الثقافة العربية الذي يشكل فيه الفرد طباع شخصيته.

فالثقافة كما يقول مالك بن نبي هي «مجموعة من الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي يتلقاها الفرد منذ ولادته كرأسمال أولي في الوسط الذي ولد فيه» وهي مبنية حسب رأيه على أربعة قوائم: الدستور الأخلاقي والذوق الجمالي والمنطق العملي والتقنية. وكلها مجتمعة سبب في صدام مع سياسة العرب.

Exit mobile version