صكوك التّوبة أم تطبيق القانون ؟؟؟

سامي براهم
قضيّة بخطورة عودة التونسيين من بؤر التوتّر يُفتَرَض أن يستضيف الإعلام أهل القرار والرّأي والخبرة والتّجربة والمعطيات الدّقيقة في مؤسسات الدّولة وهم الجهة المّحَكَّمَة المؤهّلة لإنارة الرّأي العامّ وتقديم ما يمكن تقديمه من رؤية الدّولة واستراتيجيتها في هذا المجال ومساءلتهم والاستفهام منهم،
ثمّ يمكن الانفتاح على أهل الثّقافة والفنّ والدّين والبحث العلمي لمزيد النقاش والتعميق في تطوير استراتيجيا الدّولة وحسن تنزيلها.
أمّا تقديم من ليسوا من أهل الرأي المُحَكّم القائم على المعطيات الميدانيّة المُوَثَّقَة فذلك تشويش على الرّأي العام وإرباك لاستراتيجيات الدّولة في مواجهة الأخطار.
فما بالك عندما يتورّط النّاطقون باسم الدّولة في تصريحات مرتبكة غير منسجمة مع معطيات الدّولة واستراتيجياتها،
تنزيل قضيّة عودة التّونسيين من بؤر التوتّر ضمن جدل التّوبة ومدى قبولها من الله هو جدل مضلّل لا علاقة له بالمسألة بل يحرّفها عن مسارها ويدخلها في دائرة الجدل العقائدي الكلامي المذهبي حول التوبة النصوح وشروطها وضوابطها، بينما التوبة مسألة دينيّة شخصيّة لا تهمّ المجموعة الوطنيّة إلا في علاقتها بمخرجاتها على المستوى العملي.
عودة التونسيين المشتبه في تورطهم في أعمال إرهابيّة خارج تونس التي تناولها قانون الإرهاب هي قضيّة أمنيّة وقضائيّة بالدّرجة الأولى في علاقتها بدراسة الملفات وفرزها وفهمها وجمع المعطيات الاستخباريّة المتعلّقة بالاستقطاب والانتظام والتمويل والتّدريب والعمليات التي وقعت في تونس والتّسفير والخطط والعمليات القتالية وتعدد الفصائل وارتباط التونسيين بها، لفهم تشكّل هذه الظاهرة وأسبابها وخلفياتها ومواردها البشريّة وجمع المادّة التي تعين على تفكيكها والتدخّل القضائي النّاجع في القضايا التي تقتضي تطبيق القانون.
بعد كلّ هذه المرحلة الأساسيّة يمكن لمؤسسات الدّولة والمجتمع المدني المعنيّة بالتّأطير والتّكوين والتّثقيف والتربية والبحث العلمي وإعادة الإدماج والإصلاح والاستيعاب أن تقوم بدورها في الحوار والمناصحة وتطوير الوعي والدّفع نحو النّقد الذاتي والمراجعات والوقاية والتوقّي وحماية المجتمع واستيعاب من انحرفوا عن الإجماع الوطني ومصالحتهم مع شعبهم.
عوض قانون التوبة الذي لا معنى له في فلسفة القانون المدني حيث ليس من صلاحيات الدولة المدنية أن تشهد بتوبة مواطنيها وصدقهم وتقدّم لهم صكوك الغفران، عوض ذلك على الدّولة أن تمارس صلاحياتها المنصوصة في القانون والسياسات والبرامج التي قرّرتها، ثمّ لاحقا استيعاب كلّ مواطنيها في عقد السّلم الأهلي.

Exit mobile version