عبد القادر عبار
بين سيرة ألمٍ وألَمٍ.. تتنهّد، ثم تنثر بسمة ً، تغيظ الجلاّد، وتربك المشاهد، وهي توضّح : أنا لم آت لأبكي.. إنما جئتُ لأحكي، إنها “حميدة”، محمودة السيرة. مفخرةُ وطن مقاوم.
هي امرأة من الزمن الأول، تأمّلت، فوعَتْ، فقَدّرت ثم قرّرت أن تساهم في رفع الغُبْن عن وطن مهدور العرض والدم، وان تنصر القضية، وأن تقاوم الجلاد بالصّمت الصارخ، إلى أن ينهكه صمودُها، ويدمّر صبرُها جبروتَه.
“حميدة” امرأة هي باقة ٌمن “وَفَاءٍ” نادر، ومقدّس.. وفاء لقضية سياسية آمنت بها والتزمت بها، لأنها رأت فيها حالة إنقاذ لوطنها من مخالب الديكتاتورية، ووفاء لبَوْصلة قلبها، بأن لا ترضى صاحبًا وعشيرا، بغير من أحبّت حتى لو غضب الوالد وهدّد.. ووفاء لوالدٍ محبّ، مات وفي قلبه غصّة وقهْرٌ، هوايته الصيد، ولكن حيل بينه وبين ممارستها، اغتصاب بندقيته منه ظلما، ورأت “حميدة” أن استرجاعها هو دَيْنٌ في رقبتها، فرجاؤها الذي تصرّ عليه “جيبولي مُكْحلة بابا” حتى أحملها إليه في قبره، ليفرح، ويطمئن، وبذلك أكون قد أسديت اليه بعض جميله.. وعسى أن يرضى عني.
كل سيرة نضال أنثوي.. تنسيك سابقاتها.. “بسمة” و “محرزية” و “حميدة”.. والقائمة الذهبية طويلة، ولهذا قال الوطن الذي أنجبَهنّ، مفتخرًا ومتحديًا، “هؤلائي نسائي.. فَلْيُرِني وطنٌ نساءَه” نسْجًا على مثال قول الرسول صلى الله عليه وسلم مفتخرا بسعد بن أبي وقاص “هذا خالي.. فَلْيَرني اِمْرِئٌ أخوالَه”.