الإرهابيون من هم وما أصنافهم وأسلحتهم المادية والرمزية ؟
أبو يعرب المرزوقي
ما سر تكالب مليشيات إيران العربية بالقلم وإصرارها على اتهام شباب الأمة بالإرهاب دفاعا عن مليشياتها بالسيف التي تحتل العراق والشام واليمن؟
كيف يجمع أدعياء اليسار والليبرالية والقومية فيساندوا الفاشيات العسكرية واحتلال الملالي لأرض الامة واستباحة عرضها بمظلة أمريكية وروسية ثم التشدق بالمقاومة والغيرة على الأوطان؟
كيف يتهمون الشباب الذي تطوع للدفاع عن الأرض والعرض ويسكتون عن مئات المليشيات التي أتت بهم إيران لمساندة الفاشية واحتلال العراق وسوريا ؟
كيف يزعمون أنهم يفعلون ذلك باسم مقاومة الاستعمار والدفاع عن القومية وكل هذه المليشيات تعمل بمظلة جوية أمريكية في العراق وروسية في سوريا؟
قد أفهم المليشيات الشيعية والعلوية في حربها الدينية على السنة لكن مابال من يدعون العلمانية واليسارية والليبرالية كيف يؤيدون الملالي الذين يحكمون بالحق الإلهي كما في القرون الوسطى؟
كيف لمن يدعي القومية أن يحقق بيده وقلمه غايات قومية أخرى لا يخفي نيتها استرداد امبراطورية على أرض العرب من الخليج إلى الأبيض المتوسط ؟
ويوجد ما هو أكثر غرابة في موقف هؤلاء المدافعين عن الاحتلال الإيراني والروسي للشام والعراق والمتهمين للشباب المتطوع للدفاع بما لديه من إيمان.
بهذا المنطق هل كان آباونا وجدودنا الذين تطوعوا لمساندة الجزائر ضد فرنسا ولييبا ضد إيطاليا وفلسطين ضد الصهيونية إرهابيين كذلك فنتبرأ منهم؟
وإذا قبلنا اتهام الآباء والجدود بالإرهاب فينبغي كذلك أن نتهم كل حركات التحرر لدينا ولدى غيرنا من الشعوب بالإرهاب بمن فيها مثيلتها في الغرب التي قاومت محتليها.
أليسوا -بنفس استراتيجية العسكر والملالي والاستعمار- يخلطون الأوراق لتشويه الشباب الذي ثار من أجل الحرية والكرامة بما صنعته مخابراتهم من أرهاب؟
فالأمريكان قاوموا أنجلترا والفرنسيون قاوموا الاحتلال الألماني وروسيا قاومت نابليون وهتلر: الجميع عدا نخبنا التي هي إرهابية القلم واللسان يميز بين المقاومة والإرهاب.
وما رأيهم في ما قال خلال اعتصام الرز بالفاكهة مثل وزيرة خارجية أمريكا حول أطفال العراق لا يهم التضحية بعشرين ألف تونسي للإطاحة بالترويكا؟
سؤالي هذا ليس في محله: فالذين يتهمون الشباب المقاوم بالإرهاب هـم قائلوه. فهم الذين يحكمون الآن في مصر وتونس ويحاكمون الجميع بمنطق الاستعمار.
والمؤسف أن النخب العملية كلها وبدون استثناء من الطبقات المسحوقة تنكروا لوضع الجماعة التي ينتسبون إليها طمعا في فضلات موائد الملالي والعسكر.
كنت أفهم لو كانوا من برجوازية تدافع عن مصالح طبقية. فهذا منطق البشر عندما ينحطون إلى منطق التاريخ الطبيعي. هذه النخب من أدنى طبقات وأفقرها.
لما أسمع كلاب الدعاية والبروباغندا أجراء الملالي والعسكر أعجب من حمقهم فما يطمعون فيه من سادتهم يقاس بمنزلتهم لديهم وهي دون منزلة عاهراتهم.
والمؤسف هو أن الأنظمة التي تحارب الثورة مستهدفة أكثر من غيرها لكنها تمولهم ولا تساعد إلا البلاد التي جعلوها مواخير وقواعد للحرب على الأمة.
فلننظر في علل ما آل إليه أمر إيران وعملائها معهم: مولوا صالح والحوثي وخونة مصر وتونس وبشار وحفتر لتهديم الأمة دفاعا عن كروشهم وعن عروش الاستبداد والفساد.
لكن شباب الثورة -وخلافا للمتشائمين- قد تمرن على الحرب الشعبية وهم أشبه بشباب الأمة الذين مكنوا للرسالة في العالم ومثلهم سيمكنون للاستناف.
تجاوز شباب الأمة مرحلة التخنف والجبن والترف الزائف فأصبحوا أبطالا سنجد من بينهم أمثال وكل الجنرالات الذين سيدوخون الصفوية والصهيونية فيفتكوا النصر الموعود.
وختاما فما وصفت ليس بالأمر الجديد فمثل هؤلاء كانوا يسمون في الجزائر خلال حرب التحرير “حركيين” أي الذين استعملهم الاستعمار لضرب الثورة.
وجل هؤلاء رحلوا مع الاستعمار لكن بقية منهم ما تزال تصول وتجول في جل بلاد العرب وهي أداة الاستعمار غير المباشر وهم أعداء الثورة الحقيقيين.
لذلك فمهما هادناهم ومهما حاولنا تحقيق المصالحة الوطنية فإنهم لن يرتدعوا وسيستعينوا بأي عدو وغاز كما فعل آباؤهم وأجدادهم من أمراء الطوائف.
ونحن في تونس لا ننسى أن من دعا شارل الخامس لاحتلال تونس في باية القرن السادس عشر أحد سلاطينها مجانس لمن أصاروا تقريبا بعدد المحميات العربية.
ما أخشاه ولا أتمناه هو أنهم سيفرضون على شباب الأمة اليأس من الحلول الوسطى ومحاولات المصالحة والذهاب بالمعركة إلى غايتها للحسم الثوري.
فللحرية والكرامة كلفة وشروط. ويشهد الله والتاريخ أن الشباب قد صبر صبر أيوب وتعقل تعقل سقراط. لكن الظلم لم يتوقف بل هو في ازدياد مضطرد. والساتر رب العباد.
ولعل مكر الله الخير اراد للأمة أن تكون مرة أخرى صاحبة الرسالة التي تحرر البشرية مما تردت إليه من عبودية روحية وسياسية كعهدها الأول: ثورة كونية لتحرير البشرية من مافيات العولمة.
فما يجعل هذه الحثالة تهيمن ليس قوة ذاتية لها بل هي حلف شيطاني بين مافيات العالم كله قديمها ممثلا في الحلف الخبيث بين محرفي قيم الدين وقيم العقل.
فليس من الصدفة أن تحالف كنسية الملالي ويهودية إسرائيل والصهيونية المسيحية الأمريكية وعملاؤها من النخب العربية لتشويه الإسلام والمسلمين.
وليت أوروبا تفهم أنها في مرضها الذي يجعلها لا تنسى الماضي ستخسر المستقبل لأن امة الأسلام لها القدرة على حماية نفسها وستصبح لها الإرادة.
أما أوروبا فليس لها القدرة ولا الإرادة لأنها استمرأت الاعتماد على غيرها في حمايتها لذلك فهي تقنع بترضية بوتين كما تعاملت مع هتلر حتى احتلها بسرعة وما كانت لتنجو من دون مستعمراتها وأمريكا.
لكنها الآن فقدت مستعمراتها وأمريكا لم تعد تهتم بأمنها بل تركتهم عزلا كما تركت الخليج الذي اعتبر أغنياؤه العرب الآخرين أعداء فحاربوهم.
وإذا كان ذلك موقف غالب أنظمة الخليج فالأمر بخلاف ذلك مع شعب الخليج: إن غالبيته مدركة لطبيعة الخطر والاعداء وهي بدأت تتحرك لصالح الأمة.
من يدرس الاحداث الجارية حاليا في إقليمنا يكتشف الصلة بين ما يجري حاليا والعمق الاستراتيجي لسياسة الفتح الإسلامي وعلة بدئه بتحريره من الاستعمارين الفارسي والبيزنطي.
فهذا العمق علته خاصيتين اصبحتا الآن بينتين حتى للأعمى إلا من كان عماه متعلقا بالبصيرة لا بالبصر فحسب: 1-خاصية عربية 2- وخاصية الاستعمارين الفارسي والبيزنطي.
ولأبدأ بالخاصية العربية: فتوابع فارس منهم وتوابع بيزنطة هم الذين يحاربون السنة اليوم من أسلم منهم ومن بقي على دينه. والأولون أعدى وأشد علينا حتى من سادتهم.
إنهم بقايا المناذرة وبقايا الغساسنة ممن استعاذوا عن فارس وبيزنطة القديمتين بالأخلاف منهما أي الصفوية والبوتنية. فكلاهما له أمل استعمارنا من جديد وتقاسم أرضنا واستحياء عرضنا.
وهم أنفسهم من علل به ابن خلدون الفتنة الكبرى: فالذين اغتالوا الخليفة الثالث جاءوا من مستعمرات فارس وبيزنطة بتحريض من دهاتهما الذين كانون مع يهود الجزيرة يحركونهم حينها تحريكهم لهم الآن.
ماذا كان منطق الفتوحات؟ كانت قيادة الفتح تعلم العقبتين اللتين يمكن أن تعترضا الرسالة الجديدة التي تريد تحرير البشر من عائقي حريتي الإنسان.
فالامبراطورية الفارسية والامبراطورية البيزنطية كانتا تعتمدان الوساطة بين الإنسان وربه وتؤسسان الحكم على الحق الإلهي أي على نفي الحريتين الروحية والسياسية: ثورتي الإسلام.
والشعوب التي كانت خاضعة لهما وخاصة العرب ومن يقرب من نفس الإثنية رغم التباعد تطبعت بما كان سائدا في ثقافة الاستعمارين الفارسي والبيزنطي.
كان القادة يعلمون أن إزالة هذين العائقين هما بداية الانتشار للرسالة الخاتمة والأول يمكن حسمه عسكريا لكن الثاني يقتضي تغيير بطيء في ثقافة الشعوب التي انضوت في دولة الإسلام.
والحمد لله أن ذلك تحقق إلى حد كبير لأنه قبل نهاية القرن الأول صار الكثير من قيادات جيش الفتح وجنده من جل شعوب الإقليم وليس مقصورا على العرب.
لكن بقايا الامبراطوريتين وبقايا مستعمراتهما ما تزال فاعلة إلى الآن فقيم الإسلام لم تكن تسمح بالتصفية كما فعل الأوروبيون في الأمريكتين واستراليا مثلا.
لذلك فغالب ما يحصل في الإقليم مرده إلى هذين العاملين: بقايا الامبراطوريتين وبقايا من تأثر بثقافتهما ولا ننسى عودة الصهيونية إلى الإقليم.
ولا بد هنا من ملاحظة أن الكثير من المتكلمين في تاريخ الفتح يجعلون نجاحه وليد الصدف والمعجزات وليس وليد العلم وتطبيق الآية 60 من الأنفال.
وجلهم يجهل أن القيادات كانت على بينة بالقوانين الرياضية لتنظيم الجيش (الاستراتيجيا) إذا كان أول كتاب نقل إلى العربية من اليونانية متلعقا بها.
ولا يمكن في أقل من خمسين سنة فتح كل الأقليم من دون علم دقيق بجغرافيته وبسكانه وثقافتهم وكيفية التعامل معهم باستراتيجية سلمية وحربية يسرته.
وما كنت لأذكر بذلك لو لم نكن اليوم في مواجهة نفس الأعداء لنفس الأهداف: فهم يريدون استرداد امبراطوريتين بل ثلاثة فارسية وارتودوكسية ويهودية.
وإذا لم تفهم السنة هذا الرهان رغم أن الأعداء لم يخفوا نواياهم بل هم بدأوا يطبقونها في كل الإقليم فلا يلام غيرهم على ما يحل بهم: الإهمال.
وهم يعلمون أن المستهدف: شعبي بداية الفتح وغايته أي العرب والأتراك. وقد تبين أن الحلف ثلاثي فهو بين إيران وبوتين حسرا بينها وبين إسرائيل.
وإذا كان المستهدف هو العرب والأتراك وإذا الاستهداف ليس مجرد نية بل هو مشروع بدأوا في تنفيذه فعليا: فما يحاك لتركيا والسعودية بين لكل عين.
وإذا لم يعمل هذان القطبان في الإقليم عملا يبين أنهما متحالفان حلفا لا انفصام له فإنهما سيؤكلان: فما يجري على حدود البلدين واضح الأهداف.