لا حيــــــــــــــاد

سامي براهم
يرسلون إليّ بنبرة لوم وإدانة وخيبة أمل : لقد خرجت عن حيادك الذي عودتنا به وموضوعيتك التي عهدناها منك وعدم الاصطفاف الذي كنت تحرص عليه، بعضهم يذكّرني أنّه ساندني عندما قدّمت شهادتي واليوم سقطت من عينه، آخرون يقولون لي لقد أصبحت شخصية اعتباريّة والأفضل لك أن تبقى في موقف الحياد وآخرون يصبون جام غضبهم ويطلقون التّهم ويتوعّدون…
أقول لكلّ هؤلاء، لا حياد أمام المجازر والتهجير والاحتلال، وأقول لهم شهادتي باسم الضحايا تجعلني في اصطفاف مع ضحايا الانتهاكات مهما كانت هويّة الجلاد وهويّة الضحيّة، زمانا ومكانا وانتماء وعقيدة…
هو انتصار للإنسان والإنسانيّة، ليس خطابا إنسانويّا ولا إنشائيّا ولا تعويميّا… كرامة البشر وحرمتهم الجسديّة وقداسة حياتهم مقدّمة على كلّ الأهداف السياسيّة مهما كانت وجاهتها… لا يمكن لهدف يدّعي لنفسه المشروعيّة أن يتحقّق على جثث الأبرياء أطفالا ونساء وشيوخا،
لا بدّ من تسمية الأشياء بأسمائها شهادة للتاريخ، ما يقع في سوريا وفي حلب استغلال لما ارتكبته جماعات الإرهاب الدّاعشي من جرائم وتهديد تحرّكها أحلام عقائديّة عبثيّة، من أجل تخريب ثورة وتدمير شعب ثائر وخنق كلّ نفس مقاوم للاستبداد والفساد.
ما يقع في سوريا احتلال كامل الأركان يفرض على الأرض والشعب إرادة دوليّة متواطئة وإرادة إقليميّة ذات أطماع قوميّة مذهبيّة توسعيّة،
ما يحصل في سوريا انكشاف مخز لكلّ اللافتات والعناوين التي ترفعها الهيئات الامميّة والنّظام الراعي للمليشيات المذهبية في المنطقة.
لا يمكن أن تلتزم الحياد أمام كلّ هذا الكمّ من فوضى القيم والاعتداء على كرامة الإنسان فردا وجماعات وشعبا مهما كانت وجاهة التحاليل الجيوستراتيجيّة التي يتفنّن البعض في تأليفها بشكل متكلّف.
حلب تُبَاد وتبيد أعداءها و تُسقِطُهم أخلاقيّا وإنسانيّا، لتعلوَ حلب من جديد على جراحاتها وتخرج من الركام كما عهدناها منذ قرون.

Exit mobile version