ماجد عبد النور
حلب
تمر مدينة حلب شمال سوريا، في أسوأ كارثة عرفتها البشرية في التاريخ الحديث، ويقول البعض إن ما حصل في غروزني عاصمة الشيشان، لا يساوي شيئا أمام ما يحصل في حلب.
الكلام في حضرة هذه المدينة المنكوبة يجبر الأقلام على «الكسر»، والكاتب على «البكاء» والراوي على «الحيرة»، فأي مأساة تكتبها لن تعطيها حقها في الوصف، أي شيء يذكر عن حلب يمكن أن يصدَّق بكل شفافية، جثث في كل مكان، ورائحة الموت في كل بناء وشقة، أيام مرعبة مخيفة تمر على هذه المدينة.
يقول عبد الرحيم علي مدني، المحاصر، لـ القبس إن «ما نعيشه في حلب هو يوم القيامة، لم يبق في المدينة أي نوع من الحياة، الخوف والرعب والموت والدماء في كل بيت وشارع، جثث مرمية على قارعة الطريق، تمر من جانبها بسرعة البرق، تبكي لرؤيتها ويتقطّع القلب لمآلها، ولا تستطيع أن تقف للحظة تنظر حالها».
ويتابع: «الاشتباكات العنيفة في ما تبقى لدينا من أحياء، كحزام ناري يحيط بنا من كل جانب، القصف بكل أنواع الأسلحة لا يتوقف، ولو للحظة واحدة، تعلن روسيا عن وقف للنار، فتزادا وتيرة القصف أكثر، وبقنابل أكثر خطورة وأسلحة أشد فتكاً».
ويضيف المحاصَر: «أكثر ما يخيفنا هو الوقوع في الأسر بيد قوات النظام والإيرانيين، نخاف الاعتقال أكثر من الموت، لحظات طويلة ومخيفة تمر علينا، لم ننم منذ أيام، ونحن ضائعون، ووجوهنا خائفة تترقب». أردف: «لم نتذوق الخبز منذ أيام عدة، لم يبق في هذه الأحياء إلا فرن واحد، بعد أن دمر القصف غالبيتها، وسيطرت قوات النظام على ما تبقى منها، يعمل هذا الفرن بطاقة انتاجية ضعيفة، بما تبقى من طحين ومحروقات، لا تسد أقل من خمسة في المئة من احتياجات الناس، يخبز لفترة قصيرة ثم يتوقف عند اشتداد القصف، يقضي يومه على هذا المنوال، لا يستطيع المضي في العمل».
بدوره، وفي حديث إلى القبس، قال الناشط الإعلامي والمصور الحربي المحاصَر، رامي مصطفى: «قتلت روسيا كل الحياة في حلب، أبادت كل شيء في المدينة، وأجبرت مئتي ألف مدني على التجمّع في بقعة جغرافية ضيقة لا تتعدى سبعة أحياء فقط، ضمن مسافة لا تتجاوز كيلومترات قليلة، يجتمعون في أقبية لا تحميهم من الصواريخ الارتجاجية، يشتهون رؤية الشمس، التي حجبها غبار القصف الذي لا يهدأ».
وأشار مصطفى إلى أن «الحالة الصحية والطبية في هذه الأحياء باتت معدومة ومنهارة، إذ لم يبق فيها إلا بقايا مستشفى صغير، يحتار الأطباء في أمره، كل يوم ينقلونه إلى بناء آخر، تلاحقه الطائرات وكأنه المجرم الأول المطلوب للعدالة في هذا العالم، يعالج الأطباء المتبقون حالات الإصابة الصعبة القابلة للحياة فقط، أما الإصابات الميؤس منها فيوضع الجريح على قارعة الرصيف، يئن حتى يفارق الحياة».
وأكد ان «القليل من القتلى سعيدي الحظ يتم دفنهم في الحديقة الوحيدة المتبقية، إن كان هناك من سيخاطر بنفسه ويواريهم الثرى، أما الغالبية فلا نستطيع دفنهم، لشدة القصف العنيف المستمر، فتلقى الجثث في أقرب الأبنية المدمرة والمهجورة، من دون دفنها، وتوثيقها أو كتابة اسم الضحية على القبر، كي يعرف مكانها في يوم ما».
ولفت مصطفى إلى أن «الكثير من العائلات قتلت وبقيت تحت ركام منازلها، تحللت جثثهم وبدأت تنتشر رائحتهم في شوارع المدينة، لم يستطع أحد إنقاذهم بعد أن دمرت الطائرات جميع مراكز الدفاع المدني، ولم يبق إلا بعض العناصر من دون سيارات أو معدات خاصة، يقفون عاجزين عن العمل، وتقتصر محاولتهم على آليات بدائية غير قادرة على إزالة هذ الكم الهائل من الركام، الذي يسببه القصف بالصوريخ الثقيلة».