عبد اللّطيف درباله
في حرب شبه عالمية مصغّرة تقودها دول إقليميّة وقوى دوليّة عظمى تتصارع وتتحارب من أجل مصالحها ونفوذها وهيمنتها وأهدافها.. وذلك على أرض بعيدة عن أرضها.. وضحيّتها شعب آخر غير شعوبها.. وجد أهل سوريا أنفسهم وسط دوّامة من القتل والدمار والتفقير والتهجير والتشتّت والفوضى.. في حرب ابتعدت بكلّ المقاييس عن تحقيق أهدافهم الوطنية ولم تعد غايتها جلب الخير لهم بأيّ شكل..
ما يحدث في حلب من حرب إبادة هو مأساة فظيعة.. وكذلك ما يحدث بباقي المدن السوريّة.. وما سيحدث أيضا قريبا..
بشّار الأسد ديكتاتور وسفّاح وقاتل.. ورث الحكم عن والده بدون أي شرعيّة ولا كفاءة.. وكأنّ سوريا ملكيّة وليست جمهوريّة.. وهو يحكم بصفة متواصلة منذ 18 سنة ولا يزال يرغب في المواصلة.. وكأنّ سوريا ليس فيها رجال غيره.. وواصل سياسة نظام والده حافظ الأسد الديكتاتوري.. وقمع شعبه وزجّ بكلّ معارضيه في السجون وأشبعهم قمعا وتعذيبا وتنكيلا وقتلا.. وصادر حريّة شعبه في تقرير مصيره واختيار حكّامه ومراقبة حكومته.. وفي إبداء الرأي وفي حريّة الإعلام والتعبير والنشر والنشاط السياسي.. وسائر الحقوق والحريات العامة الأخرى.. وسجلّه في ذلك أسوأ من زين العابدين بن علي نفسه بكثير..!!!
في المقابل فإنّ الذين يحاربون بشّار الأسد اليوم ومنذ سنوات.. وفي ماعدا قلةّ منهم آمنت فعلا بتحقيق الثورة وحلمت بالحرية والديمقراطية.. وقطع عليهم نظام بشّار الأسد طريق النضال السلمي.. أغلب الذين يحاربون نظام بشّار الأسد اليوم.. والذين جاؤوا من كلّ الأجناس ومن عديد بقاع الأرض.. وتموّلهم دول مختلفة لا تكترث عادة بحقّ شعوب العالم الثالث في تقرير مصيرها وفي الحرية وحقوق الانسان.. هذه الدول التي طالما ساندت حكّامهم الديكتاتوريّين.. تموّلهم بالمال والسلاح والمؤونة وتوفّر لهم الدعم اللوجستي والسياسي والإعلامي والعسكري بمختلف أشكاله.. هؤلاء أغلبهم ليسوا ثوّارا.. ولا يؤمنون بالحرية ولا بالديمقراطية ولا بالعدالة.. ولم يأتوا ويحاربوا من أجل تأسيس “المدينة الفاضلة”.. ولو قدّر لهم السيطرة على حكم سوريا لأسّسوا نظاما أسوأ وأبشع وأكثر فظاعات وقمعا من نظام بشّار الأسد الفاشستي..
لذلك ضاع الشعب السوري المسكين بين هؤلاء اللئام من الجانبين.. وتعرّض للتدمير على أرضه.. ومات مئات الآلاف من المدنيّين العزّل الأبرياء منهم أو جرحوا وأصيبوا بإعاقات أو عاهات مستديمة في الحرب وقصف المدن أو في البحر هربا على القوارب نحو الملاجئ.. وسجن مئات الآلاف منهم في سجون ومعتقلات الجانبين المتحاربين وتعرّضوا للتعذيب وسوء المعاملة والاغتصاب والموت البطيء.. وشرّد أكثر من خمسة ملايين سوري بين دول الجوار في لبنان والأردن والعراق وتركيا.. وفي بعض البلدان الغربيّة والعربيّة الأخرى.. وعانى الملايين من الفقر والمجاعة والأمراض وتدهور العناية الصحيّة ومن الظروف المعاشيّة الرديئة..
لم يبق للشعب السوري غير العناية الإلاهيّة…
كان الله في عونهم وغوثهم..
أهل مدينة “حلب” السوريّة أضيع من الأيتام على مأدبة اللّئام..!!

محامي وكاتب تونسي