أتعبت من بعدك يا أردوغان…
سعيد الحاج
في مؤتمر “برلمانيون لأجل القدس”، كنت مستعجلا جدا رغم حرصي على سماع كلمة اردوغان للنهاية، لكنني ادرك انه ما ان ينهي كلمته سيهم بالخروج وستكون الإجراءات الأمنية مانعا لخروجي.
فقررت ان احاول الخروج قبيل نهاية كلمته، رغم ان في الامر مخاطرة، فالإجراءات الأمنية تبدأ قبل نهاية الكلمة بطبيعة الحال. وفعلا، حين احسست انه ينهي كلمته خرجت، ولم يعترضني احد، من قاعة يلقي فيها الرئيس كلمة وعلى وشك الخروج.!!! تذكرت حينها حسني مبارك الذي كان يغادر القصر الرئاسي مرة او مرتين فقط في السنة ليلقي كلمة في البرلمان فيوقفون ويغلقون له المرور في الشوارع ساعات طويلة من قبل خروجه وحتى عودته للقصر.!!
قبل يومين، فتاة تركية من ذوي الاحتياجات الخاصة رسمت اردوغان ووضعت صورته على تويتر مع جملة “احبكم جدا”، فرد عليها اردوغان في تويتر، ثم اتصل عليها هاتفيا وتحدث مع والدتها فاتضح ان الفتاة غير قادرة على الكلام (لكنها تسمع وتفهم)، فأسمعها اردوغان شكره العميق ودعاءه لها بالصحة والعافية، ورغبته في استضافتها في القصر الرئاسي. بكل وضوح وبساطة تستشعر صدق الرجل في كلامه وسعادة الفتاة باتصاله من خلال الأصوات التي كانت تصدرها.!!
جدول الاعمال اليومي لأردوغان -ومعظم الساسة الأتراك- مزدحم: عدة مؤتمرات وافتتاحات وكلمات ولقاءات في اليوم، لكنهم لا يهملون مشاركة المواطنين في مناسباتهم السارة والحزينة مع التزام واضح بجنازات وبيوت عزاء الجنود وضحايا التفجيرات، اضافة الى زيارات منزلية لبعض المواطنين التي يأتي بعضها بناء على طلب منهم، كما حصل مع الطفل الصغير المشهور وكما حصل قبل يومين مع طالبة تركية.
لا ادري كيف هو الواقع في الغرب والديمقراطيات الراسخة، لكن ليس ثمة أدنى مقارنة بين تركيا والعالم العربي على هذا الصعيد. عملت مراسلا لأحد البرامج التلفزيونية لشهور طويلة، وكنت أغطي مؤتمرات من مختلف المواضيع والتخصصات، ولم يكن اسهل من اجراء المقابلات مع المسؤلين وكم كان ممكنا ان تجد نفسك على بعد أمتار فقط من اردوغان او رئيس الوزراء. في محيط معارفي انا فقط هناك العشرات من الاصدقاء العرب (فما بالك بالأتراك) الذين تجمعهم صور “سيلفي” او صور عادية مع اردوغان وداود اوغلو وغل ويلدرم…الخ.
هل الموضوع مجرد حرص على ثقة المواطن طمعا في صوته في الانتخابات (وذلك لا يعيب السياسي)؟ ام ثقافة معينة في حزب العدالة والتنمية؟ ام هي ميزة لأردوغان القادم من بين المواطنين الفقراء نشرها في قيادات حزبه؟ ام اسباب اخرى؟ ام ذلك كله؟ لا ادري، لكنني اعرف انه مميز وأنهم مميزون في هذه النقطة، سيما بالمقارنة مع العالم العربي، وان حب شعبهم له صادق في معظمه ومستحق وعميق.
في أحيان كثيرة، حين أواجه بهجمة شديدة بسبب مقال أو تحليل كتبته ويعتبرني البعض كارها او حاقدا على تركيا/اردوغان او انني اساهم بالحرب ضدها/ضده، ورغم انزعاجي الشديد من ضيق الأفق هذا إلا أنني أَجِد بعض العذر لبعض المندفعين من الشباب، وأرى أنهم يدافعون عن هذه الصورة البراقة في أذهانهم لسياسي مختلف عن السياسيين، عن صورة تمنوا ويتمنون أن يروها في بلادهم مع المسؤولين والوزراء وليس مع رؤساء الدول.
أتعبت من بعدك -في عالمنا العربي- يا اردوغان.