الحبيب حمام
كتبت مازحا عن غرابة عقد الشراكة بين النهضة والحزب الشيوعي الصيني، وقلت لتصوير المشهد الكاريكاتوري أن كارل ماركس وابن تيمية صاحا “واه نندبهم”. في الواقع التقارب بين الأحزاب المتضادة فكريا أمر محمود، ويكون ذلك على قاعدة المشترك أي “تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم”، وعلى أساس القبول بالآخر والنضال من أجل حقوقه.
كيف تلتقي مقولة “الدين هو الحياة” مع مقولة “الدين أفيون الشعوب”؟ وكيف يلقي التوحيد مع الإلحاد؟ أكيد لا يلتقيان فكريّا، ولكن يلتقيان أخلاقيا وقيميا، مثل ما التقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعمّه، أبي طالب، الذي مات على الشرك، خفّف الله عنه يوم القيامة. القطع بين التوحيد والإلحاد أمر لا بد منه، ولا يمكن الالتقاء في منتصف الطريق “ودّوا لو تدهن فيدهنون”. كان أبو طالب مشركا، وطلب من ابن أخيه، رسول الله، أن يتنازل قليلا كما تتنازل قريش، فكان جوابه قاطعا “يا عمّ، والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر، ما تركته، حتى يظهره الله، أو أهلك دونه” (إسناده ضعيف حسب الألباني) أو “ما أنا بأقدر على أن أدع لكم ذلك، على أن تستشعلوا لي منها شعلة [يعني الشمس]” (إسناده صحيح حسب الألباني). واضح أن التقارب العقدي مستحيل. ماذا عن التقارب القيمي الأخلاقي؟
لنواصل الحديث، قال أبو طالب “اذهب يا ابن أخي، فقل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لشيء أبدا”، هذا القول يدلّ على قيم مشتركة: حرية المعتقد وحرية التعبير، وأخلاق مشتركة: الرجولة، العدل، مناصرة الضعيف، الالتزام بالمبدإ. وفعلا دخل أبو طالب في حصار بني هاشم طوعا، رغم إلحاح قريش عليه بالتبرؤ من ابن أخيه، وقضى فيه 3 سنين، ومات متأثرا بالحصار. أسلم ابنه، عليّ كرم الله وجهه، وهو طفل، ولم يمنعه، وضمن حق الطفل في حرية المعتقد. وهذا سلوك راقي قام به مشرك، ولا يقوم به كثير ممن يدعي الإيمان. إنه أروع تقارب قيميّ وأخلاقي عبر التاريخ بين مُوحّد ومُشرك.