عبد القادر عبار
عشرون عاما مرت على وفاة آخر الخطباء، وأصدق الخطباء، وأشجع الخطباء، وأروع الخطباء، الذين اعتلوا منابر الجمعة.. كان ذلك يوم 6 ديسمبر 1996.. يوم سكت صوتٌ كان يهابه الحكام داخل مصر وخارجها، بينما يعشقه الناس ويفتنون به ويتنافسون على التقاطه.
المنبر بعده، بَهُتَت هيبته، عندما أصبح يراوده، ويركبه من ليس في دمه قطرة ُغيرة على الدين، ولا على الهمّ الإسلامي، ولا على عرض الأمة المنتهك في كل حين، ولا على هموم المستضعفين.
وقد أعجبتني مقارنة كنت قد قرأتها منذ أكثر من 25 سنة تقريبا، كان قد كتبها الأستاذ “فهمي هويدي” بمجلة “العربي” عندما كان مدير تحريرها، قارن فيها بين الشيخ “كشك” وبين شيخ الجامع الأزهر، ومفتي مصر، وقال فيها بان الناس يتبعون الكشك ويثقون فيه ويطيعونه، أكثر من اللآخريْن، ولو قال الكشك للشعب.. اخرجْ، لخرج على بكرة أبيه.
إن منابر جمعاتنا بحاجة إلى نُسَخ وطنية من روح “كشك” تحرّك الهمم وتستفزّ القلوب وتشحن العقول، وليس قصدي : إنتاج وتكرار صوت “الكشك” ونبراته وطريقة إلقائه وإنما : فقهُ خطابه، وواقعيّة معالجاته، وصدق لهجته، وعمق طرحه، وشمولية خطبته، وشجاعة إلقائه… يكون ضِرارًا لقنواتٍ تجاوزت حدّ الرداءة والبذاءة والإسفاف، وبالغت في استحمار المشاهدين، واستفزاز غرائزهم.