مع تصاعد حدة الصراع الدائر في سوريا لا تزال الشهادات التي تخرج على استحياء تتحدث عن عمليات اغتصاب تعرضت لها نساء في سجون النظام السوري، أو خلال الحملات التي يقوم بها الجيش النظامي على الأحياء والمناطق المدنية، المعتقلات في سجون النظام تعرضن لأنواع العنف والإهانة والاغتصاب والتحرش، انتهاء بقتلهن، فضلاً عن التحرش بهن على الحواجز، وخلال الاقتحامات، بالإضافة إلى خطفهن وتعذيبهن حتى الموت، ما جعل حياتهن مأساوية.
أم نور طبعاً ليس الاسم الحقيقي للضحية التي تتذكر بمنتهى الألم ما تعرضت له بين ديسمبر/كانون الأول 2013 وفبراير/شباط 2013، وكيف انتهك جسمها الذي لم يعد ينتمي إليها، كما تقول، لكنّها تحاول حماية روحها على الأقل، وبناء على طلبها تم نشر قصتها؛ لكي يعلم العالم كيف تنتهك أعراض السوريات داخل السجون، ولأسباب لا قيمة لها.
أم نور سيدة أعمال لها متجر خياطة في حمص، كانت تعمل فيه من الساعة التاسعة صباحاً حتى المغرب، وفي الساعة الخامسة عصراً تقول أم نور: خرجت مظاهرة من أمام متجري، فقمت بتصوير المظاهرة، ولم أسِر مع المتظاهرين، وبعد نصف ساعة أتت حملة مداهمات من الجيش السوري، وأطلقوا النار مباشرة على الناس دون أي رحمة، فمنهم من استشهد، ومنهم من اعتقل، وعندما رأيت الجيش يعتقل الشباب، ارتجفت من الخوف، وقمت مسرعة لحذف الفيديو، ولم أستطع حتى وصل لي أربعة عناصر أمسكوا بي، فدخل ضابط وراءهم يدعى أبو حيدر، وأخذ هاتفي من يدي، ونظر إلى الفيديو حتى النهاية، ثم قال لي: “بدكون حرية مو هيك هلاء بس تيجي معنا راح تعرفي الحرية على أصولها، شحطوها للخاينة”.
لم أستطِع أن أنطق بكلمة واحدة، لقد ارتبكت جداً، ولم أعرف ماذا أفعل، كل ما فكرت به في هذا الوقت هو ابني الوحيد البالغ من العمر ست عشرة سنة، ماذا سيحل به بعد موتي؟ حتى إنني لم أفكر لحظة واحدة أنني سأعيش، وفي السيارة كان الجنود يضحكون على مشهد إطلاقهم النار على المتظاهرين، والضابط يضحك، ويقول: “شفتوا محلاها الحرية ولسه ما شفتوا شي”.
وصلنا إلى السجن، وأدخلوني إلى ضابطة مخيفة في الشكل، وعلى وجهها قطرات دم، فسألت العناصر عما فعلت؛ ليجيبوها أنني خائنة، قمت بتصوير مظاهرات، فنظرت إليَّ وصعقتني بيدها، حتى أوقعتني أرضاً، ونادت الضابطة على السجانات: “أدخلوها إلى الغرفة المجاورة ريثما أنادي على الضابط أبو حيدر”، فأدخلوني إلى غرفة يوجد فيها سرير، وكان الجو بارداً جداً، فارتجفت من الخوف، ووقعت أرضاً، لم تعد تتحملني قدماي؛ لأنني عرفت مصيري، ثم أتى الضابط ودخل علي وجلس على السرير، وقال لي: كم عمرك؟ فقلت له 33 سنة، ثم قال لي: أين تسكنين؟ فأخبرته، ثم خرج وتركني، وبعد ساعة قدم إليَّ ومعه ابني نور، وقال لي: هذا ولدك نور سينظر إليك الآن وأنت تغتصبين، وهذا جزاء كل خائنة، فصرخت وترجيته، وقمت بتقبيل قدميه ألا يفعلها، فما كان منه إلا أن ضحك بصوت عالٍ جداً، وبعدها قام بضربي بقدميه، ونادى على السجانات بأن يقمن بتقييدي على السرير، بعد أن قمن بنزع ملابسي عني.
وكان ابني يصرخ ويبكي: “كرماً لله يا سيدي موتني ولا تساوي هالشي بأمي”، فضربه الضابط حتى نزف ابني نور من أنفه، وقام باغتصابي وأنا متعرية تماماً أمام ولدي، حتى نزف الدم من جسدي، وبعد أن انتهى من فعلته القذرة، نادى على العناصر أن يضعوني بغرفة مظلمة، يوجد فيها فئران، وعلقوا يدي وأنا متعرية والدم على جسدي يسيل مني، وفي اليوم التالي قدم الضابط، وقاموا برش ماء بارد جداً عليَّ، وصعقوني بالكهرباء على ظهري حتى ازرقَّ جسدي، لم أعد أتحمل العنف ولا حتى الوقوف، وجسدي قد انتهك تماماً حتى أغمي عليَّ فلم أصحُ إلا عندما أيقظتني نساء في السجن.
قضيت باقي الأيام في السجن، كانوا يومياً يقومون برشي بالماء البارد، وصعقي بالكهرباء، إلى أن تم الإفراج عني، وعند وصولي إلى الحي الذي أقيم فيها لم أجد ابني، ورفض أقاربي استقبالي، بعد أن تم اتهامي بشرفي بسبب دخولي السجن.
هذه قصتي وهذه معاناتي، فما ذنبي بما حصل معي ومع باقي المعتقلات السوريات؟ لم أفكر لحظة واحدة عند خروجي من السجن كيف سيراني الناس، بل كنت أعتقد أن الناس ستكون معي، وتتفهم وضعي الحرج، لكن الكل نفر مني، حتى ابني الوحيد نور، لكن أشهدكم وأشهد الله أني قد دافعت عن نفسي، لكن لا جدوى من ذلك؛ لأنني كنت مكبلة.
أريد أن أوجه رسالة للمجتمع: أيها الناس، لا يجب عليكم أن تتبرأوا من الفتاة المعتقلة، بل يجب التعامل معها كأنثى شريفة وطاهرة؛ لأنها لا ذنب لها بما حصل معها، الأنثى جنس لطيف وبحاجة للعطف والحنان، وهي ستحتاج الحنان والأمان أكثر من الأول، فلا تزيدوا الجرح بل ساعدوها على تجاوز الأزمة النفسية، وهذا شيء مهم بحياتها بعد الخروج من المعتقل والنجاة من أيدي وحوش لا رحمة في قلوبهم ولا يعرفون للإنسانية أي معنى.